‌‌باب ما جاء في فداك أبي وأمي2

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في فداك أبي وأمي2

حدثنا بذلك قتيبة قال: حدثنا الليث بن سعد، وعبد العزيز بن محمد، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص، قال: «جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد» وهذا حديث صحيح "

لقدْ سطَّرَ الصَّحابةُ الكِرامُ أفضَلَ المَواقِفِ، وأعظَمَ البُطولاتِ دِفاعًا عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، ومِن ذلك مَوقِفُ سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه في أحُدٍ، وبَلاؤُه فيها بَلاءً حَسنًا حتَّى قَرَّت عَينُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَظيمِ صَنيعِه، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -كما في الصَّحيحَينِ-: «ارْمِ فِداكَ أبي وأُمِّي»، وهو المُرادُ مِن قَولِ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه: «جمَع لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبَوَيْه يَومَ أحُدٍ»، أي: في التَّفْديةِ، والمعنى: لَو كان لي إلى الفِداءِ سَبيلٌ، لَفَديْتُكَ بأبَوَيَّ اللَّذَينِ هُما عَزيزانِ عِندي، والمُرادُ مِن التَّفْديةِ لازِمُها، أي: ارْمِ مَرضيًّا، وقيلَ: المُرادُ بالتَّفْديةِ: الإجْلالُ والتَّعْظيمُ.
وكانت غَزْوةُ أحُدٍ في السَّنةِ الثَّالثةِ مِن الهِجْرةِ بيْنَ مُشْركي مكَّةَ والمُسلِمينَ، وانهَزَمَ فيها المُسلِمونَ بسبَبِ مُخالَفةِ الرُّماةِ لأوامِرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَراجَعَ المُسلِمونَ، وانكشَفَ مَوقِعُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولم يَثبُتْ معَه وحَولَه إلَّا القَليلُ مِن المُهاجِرينَ والأنْصارِ، ومنهم سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ.
وفي الحَديثِ: مَنقَبةٌ لسَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه في دِفاعِه عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: دُعاءُ الرَّجلِ للرَّجلِ في مَواطِنِ الحَربِ إذا كان في ثَغرٍ مِن ثُغورِ القِتالِ بدُعاءٍ مَعْناه السَّلامةُ؛ فالرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَعا لسَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه بأنْ يُفْدَى حتَّى ذكَر أبَوَيْه.
وفيه: إعْلامٌ بمَحَبَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لسَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه، وعَظيمِ مَنزِلتِه عندَه.