باب ما ذكر في المزارعة
سنن الترمذى
حدثنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، «أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع» وفي الباب عن أنس، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وجابر: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم: لم يروا بالمزارعة بأسا على النصف والثلث والربع، واختار بعضهم: أن يكون البذر من رب الأرض، وهو قول أحمد، وإسحاق، وكره بعض أهل العلم المزارعة بالثلث والربع، ولم يروا بمساقاة النخيل بالثلث والربع بأسا، وهو قول مالك بن أنس، والشافعي، ولم ير بعضهم أن يصح شيء من المزارعة إلا أن يستأجر الأرض بالذهب والفضة
جاء الإسلامُ لِيُنظِّمَ العَلاقاتِ والمُعامَلاتِ بيْن النَّاسِ، وجَعَلَ هذه العَلاقاتِ قائمةً على مَبدأِ التَّعاونِ والأُلْفةِ، والمَحبَّةِ والمَودَّةِ، والبُعْدِ عن النِّزاعِ والشِّقاقِ، والضَّررِ والظُّلْمِ، والخِداعِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه لَمَّا فتَح النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيبرَ سَنةَ سَبْعٍ مِن الهِجرةِ -وهي بَلْدةٌ تقَعُ شَمالَ المدينةِ على طَريقِ الشَّامِ، تَبعُدُ عن المدينةِ 95 مِيلًا (153 كم)، وكان يَسكُنُها اليَهودُ- أقرَّ اليهودَ على البَقاءِ في بَساتينِ النَّخيلِ والحُقولِ الزِّراعيَّةِ، واتَّفَق معهم على المُشاركةِ في إنتاجِها، في مُقابلِ أنْ يَقوموا بمَؤُونتِها وخِدمتِها وسَقْيِها، ويكونَ لهم نِصفُ ما يَخرُجُ منها مِن ثَمَرِ النَّخيلِ، وهذه هي المُساقاةُ، ونِصفُ ما يَخرُجُ منها مِن الزَّرعِ، وهذه هي المُزارعةُ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعطي أزواجَه مِئةَ وَسْقٍ نَصيبَهنَّ مِن ذلك: ثَمانون وَسْقًا مِن التَّمرِ، وعِشرون وَسْقًا مِن الشَّعيرِ، والوَسْقُ: سِتُّون صاعًا، والصاعُ أربعةُ أمدادٍ، والمُدُّ بقدْرِ ما يَمُدُّ الرَّجلُ المُعتدلُ اليدينِ يَديَه. والوسق يُعادِلُ (130) كيلوجرامًا تَقريبًا بالأوزانِ الحديثةِ.
واستمَرَّ الأمرُ على هذا الحالِ إلى عهْدِ عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، فلمَّا أجْلَى رَضيَ اللهُ عنه يَهودَ خَيبرَ إلى تَيْماءَ وأَرِيحاءَ، وقسَم أرضَ خَيبَرَ على المسلمينَ، خيَّر أزواجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْن أنْ يُعطيَهنَّ نَصيبَهنَّ مِن الأرضِ وبيْن أنْ يُمضيَ لهنَّ نَصيبَهنَّ مِن الوَسْقِ، كما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَفعَلُ معهنَّ، فمنْهنَّ مَن اختارت الأرضَ، ومنْهنَّ مَن اختارت الوَسْقَ، وكانت عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها ممَّن اختار الأرضَ.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ المُزارَعةِ والمُساقاةِ.