باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء
عن أبي سعيد الخدري، قال: قيل: يا رسول الله، أتتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها الحيض، ولحوم الكلاب، والنتن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء». هذا حديث حسن، وقد جود أبو أسامة هذا الحديث، فلم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد، وفي الباب عن ابن عباس، وعائشة
تَميَّزَتْ شريعةُ الإسلامِ باليُسْرِ والسَّمَاحَةِ؛ ومن ذلك عدم التَّكليف بعناءِ البحثِ عن طهَارةِ الأشياءِ، بل تَبقَى كما هي طاهرةً ما لم يَتَيَقَّنْ المسلِمُ مِن أثَرِ النَّجَاسةِ.
وفي هذا الحديثِ أنَّه قيل لرَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: أَنتوضَّأُ مِن بئْرِ بُضَاعَةَ وهي بِئْرٌ بالمدينةِ يُطْرَحُ فيها الحِيَضُ، أي: الخِرْقَةُ الَّتي تَستعمِلُها المرأةُ في دمِ الحَيْضِ، ولحمُ الكِلابِ، والنَّتَنُ، أي: الأشياءُ ذاتُ الرَّائحَةِ الكَريهةِ كالجِيَفِ والعَذِرةِ.
والمرادُ: أنَّ النَّاسَ يرمُونَ هذِه النَّجَاساتِ في الصَّحَارِي وأفنيةِ مَنازلِهم، فتأتِي السُّيولُ وتَجُرُّ هذِه الأشياءَ النَّجِسَةَ مِن الطُّرِقِ والأفْنِيَةِ فتُلْقِيها في البِئْرِ؛ لأنَّها كانتْ بمَسيلٍ مِن بَعضِ الأوديةِ التي يَنزِلُ بها أهلُ الباديةِ، وليس المرادُ أنَّ النَّاسَ كانوا يَرْمُون الأقْذَارَ في البِئْرِ عمْدًا؛ فالمعرُوفُ عَن العرَبِ في الجاهليَّةِ والإسلامِ حِفْظُ المياهِ وصَوْنُها عن النَّجَاسات.
فأجابَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن هذا السُّؤالِ قائِلًا: «الماءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُه شَيْءٌ»، أي: إنَّ اللهَ تعالى خلَق الماءَ طَهُورًا لا يُنجِّسُه شَيءٌ، ما لم يَتغيَّرْ لَونُه أو طَعْمُه أو رِيحُه، وقد كان بئرُ بُضَاعَةَ كَثِيرَ الماءِ لا يَتأثَّرُ بما يُلْقَى فيه.
وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ الأصْلَ فِي الماءِ الطَّهارَةُ. .