باب: ومن سورة المائدة5
سنن الترمذى
حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: " مات رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تحرم الخمر، فلما حرمت الخمر، قال رجال: كيف بأصحابنا وقد ماتوا يشربون الخمر، فنزلت: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات} [المائدة: 93] ": «هذا حديث حسن صحيح» وقد رواه شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء
في هذا الحديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا نزلَ قولُ اللهِ تَعالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}، أي: لَيْسَ عليهم إثمٌ أو مُؤاخَذَةٌ فِيما شَرِبوا مِنَ الخمْرِ قبْلَ تَحريمِها {إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 93]، أي: بِشَرْطِ أنْ يَتْركوا المَعاصيَ والمُحرَّماتِ، ويُؤمنوا بِاللهِ إيمانًا صَحيحًا مُوجِبًا لهم عَمَلَ الصَّالحاتِ، ثُمَ يَستمرُّوا على ذلك، حتَّى يَأتِيَهم أَجلُهم، ويَداوموا على إحسانِهم في عِبادتِهم للهِ ومُعاملتِهم للنَّاسِ؛ فَإنَّ اللهَ يُحبُّ الْمُحسنينَ، لَمَّا نَزَلَت هذه الآيةُ، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِعبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه: «قِيلَ لي: أنتَ مِنهم»، أي: أُوحِيَ إليَّ أنَّكَ يا ابنَ مسعودٍ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلوا الصَّالحاتِ الموصوفينَ بالتَّقوى والإحسانِ، وهذه تَزكيةٌ عظيمةٌ، ودرجةٌ رفيعةٌ، قَلَّ مَن ظَفِرَ بِمِثْلِها.
وكان سَببُ نُزولِ هذه الآيةِ -كما ورَدَ في الصَّحيحينِ- أنَّ الخَمرَ لَمَّا حُرِّمت سَأل الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم عن حالِ أصحابِهم الَّذين ماتوا وهُم يَشرَبون الخمْرَ قبْلَ أنْ يَنزِلَ النَّهيُ فيها؛ هلْ سَيُآخَذون بشُرْبِهم هذا؟ فنزَلَت هذه الآيةُ.
ودُخولُ ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه في الآيةِ يَتعلَّقُ بما ورَدَ في الآيةِ مِن صِفاتٍ؛ وهي التَّقوى والإيمانُ والعملُ الصَّالحُ والإحسانُ.
وفي الحديثِ: فضلُ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه.