باب منه آخر
عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وما ينوبه من السباع والدواب؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث»، قال محمد بن إسحاق: «القلة هي الجرار، والقلة التي يستقى فيها»، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، قالوا: «إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء ما لم يتغير ريحه أو طعمه»، وقالوا: «يكون نحوا من خمس قرب
كَانَ النَّاسُ يأتونَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم يَستَفْتُونَه فِي أمورِ دِينِهم، وَقَد سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم فِي هذا الحَدِيثِ "عن الماءِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنَ الدَّوَابِّ والسِّباعِ"، أي: عن حُكمِ طهارَةِ الماءِ الَّذِي تَرْتادُه الحيواناتُ لِشُربٍ أو استِحمامٍ وغيرِه، و"الدَّوابُّ": اسمٌ لكلِّ حَيٍّ يَدِبُّ على الأَرْضِ، وقيل: اسمٌ لكلِّ حَيَوانٍ يُحمَلُ أو يُركَبُ، و"السِّباعُ": اسمٌ جامِعٌ لكلِّ حَيَوانٍ يَأكُلُ اللَّحمَ، وذِكرُه للسِّباعِ إشارةٌ لِمَا يَحمِلُ بعضُها مِن نَجاسَةٍ، ولَا يَخلُو الماءُ مِن رَوْثِ وبَوْلِ الحَيواناتِ الَّتِي تَرِدُه، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم: "إِذَا كَانَ الماءُ قُلَّتَيْنِ"، أي: إِذَا بلَغ الماءُ الَّذِي تَرِدُه الحيواناتُ مِقدَارَ قُلَّتَيْنِ، و"القُلَّةُ": الجَرَّةُ الكبيرةُ، وقيل: إنَّ سَعَةَ القُلَّةِ مِائَتَيْنِ وخَمْسِينَ رَطْلًا، وقِيلَ فِيهَا غيرُ ذَلِكَ، "لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ"، أي: لم يَحْمِلْ نَجاسَةً، والمُرادُ: لم يَقْبَلِ النَّجاسَةَ، بل يَدفَعها عن نفسِه ولا يُعتَبَر نَجِسًا، بل هُوَ طاهِر.