باب ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف2
سنن الترمذى
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا الحسن بن موسى قال: حدثنا شيبان، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب، قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل، فقال: " يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين: منهم العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط "، قال: يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف وفي الباب عن عمر، وحذيفة بن اليمان، وأم أيوب وهي امرأة أبي أيوب، وسمرة، وابن عباس، وأبي هريرة، وأبي جهيم بن الحارث بن الصمة، وعمرو بن العاص، وأبي بكرة. هذا حديث حسن صحيح قد روي من غير وجه عن أبي بن كعب
مِن رحمَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ أنَّه أنزَل القرآنَ الكريمَ على أحرُفٍ وقِراءاتٍ توافِقُ لهَجاتٍ عدَّةً، كلُّها عربيَّةٌ، تخفِيفًا وتيسيرًا وتسهيلًا على المسلِمين.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أُبيُّ بنُ كعبٍ رَضِي اللهُ عَنه: "لَقِي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم جبريلَ، فقال"، أي: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لجِبريلَ: "يا جَبْرئيلُ، إنِّي بُعِثتُ"، أي: أُرسِلتُ، "إلى أمَّةٍ أمِّيِّين"، أي: إلى أمَّةٍ لا تَقرَأُ ولا تَحسُبُ ولا تَكتُبُ، وهذا على الغالبِ مِن أحوالِ العرَبِ والنَّاسِ عندَ البَعثةِ؛ "مِنهُم العجوزُ، والشَّيخُ الكبيرُ"، أي: مِن الأمَّةِ العَجوزُ والكبيرُ، وهما كِنايةٌ عن كِبَرِ السِّنِّ وصُعوبةِ التَّعلُّمِ بعدَ الكِبَرِ، "والغلامُ والجاريةُ"، أي: ومِن الأمَّةِ أيضًا صِغارُ السِّنِّ الَّذين لم يتَمكَّنوا بعدُ مِن القراءةِ والكتابةِ، "والرَّجلُ الَّذي لم يَقرَأْ كِتابًا قطُّ"، أي: ومِنهم أيضًا الرَّجلُ الَّذي لم يتَعلَّمْ، فلم يقرَأْ ولم يَكتُبْ، والمعنى: أنَّ كلَّ هؤلاء لو ألزَمتُهم بقراءةٍ واحدةٍ ما استَطاعوها، فكأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَدْعو ربَّه، ويَقولُ: وسِّعْ لي يا ربِّ وسهِّلْ على أمَّتي وخفِّفْ عنهم، "قال"، أي: قال جِبريلُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا محمَّدُ، إنَّ القُرآنَ أُنزِلَ على سَبعةِ أحرُفٍ"، أي: أُنزِل على سَبعةِ أوجُهٍ، وسَبعِ لهَجاتٍ، وقيل: أي: سَبعةِ قِراءاتٍ، وقيل: أي: سَبعةِ أحكامٍ، فأيُّ وجهٍ تَقرَأُ به أمَّتُك، وأيُّ لهجةٍ تيَسَّرَتْ لها فهي مَقبولةٌ إنْ شاء اللهُ تيسيرًا وتخفيفًا لأمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وليس المرادُ أنَّ كُلَّ كلمةٍ وكلَّ جُملةٍ مِن القرآنِ تُقرَأُ على سَبعةِ أوجُهٍ، بل المرادُ أنَّ غايةَ ما انتَهى إليه عدَدُ القِراءاتِ في الكلمةِ الواحدةِ سَبعةُ أوجُهٍ، فإنْ قيل: فإنَّا نَجِدُ بعضَ الكَلِماتِ يُقرَأُ على أكثرَ مِن سَبعةِ أوجُهٍ، فالجوابُ: أنَّ غالِبَ ذلك إمَّا لا يُثبِتُ الزِّيادةَ وإمَّا أن يَكونَ مِن قَبيلِ الاختِلافِ في كيفيَّةِ الأداءِ كما في المدِّ والإمالةِ ونَحوِهما، وقيل: ليس المرادُ بالسَّبعةِ حقيقةَ العدَدِ، بل المرادُ التَّسهيلُ والتَّيسيرُ.
وفي الحَديثِ: بيانُ تَخفيفِ وتيسيرِ اللهِ عزَّ وجلَّ على أمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفيه: بيانُ نُزولِ القرآنِ على سَبعةِ أحرُفٍ.