‌‌باب ما ذكر في قراءة سورتين في ركعة

سنن الترمذى

‌‌باب ما ذكر في قراءة سورتين في ركعة

حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود، قال: أنبأنا شعبة، عن الأعمش، قال: سمعت أبا وائل، قال: سأل رجل عبد الله، عن هذا الحرف {غير آسن} [محمد: 15] أو «ياسن»؟ قال: كل القرآن قرأت غير هذا؟ قال: نعم، قال: إن قوما يقرءونه ينثرونه نثر الدقل، لا يجاوز تراقيهم، إني لأعرف السور النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، قال: فأمرنا علقمة فسأله، فقال: «عشرون سورة من المفصل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن بين كل سورتين في ركعة»: «هذا حديث حسن صحيح»
‌‌

أمَرَ اللهُ سُبحانَه وتعالَى بتَدبُّرِ القرآنِ، فقال تعالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وقال عزَّ مِن قائلٍ: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء: 82]، وهذا هو المقصودُ مِن قِراءتِه، لا مُجرَّدُ سَرْدِ حُروفِه دونَ فَهمٍ أو تَعقُّلٍ، ويَتأكَّدُ هذا الأمرُ إذا كانتِ القِراءةُ في الصَّلاةِ، وقد كَرِهَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه في هذا الحديثِ فِعلَ الرَّجلِ الَّذي قال له: إنَّه قرَأَ المُفصَّلَ كلَّه في رَكعةٍ، والمُفصَّلُ مِن سُورةِ «ق» إلى آخِرِ القُرآنِ، وقيل: مِن سُورةِ محمَّدٍ إلى آخِرِ القُرآنِ، وسُمِّيَ مُفصَّلًا لِقِصَرِ سُوَرِه وقُرْبِ انْفِصالِ بَعْضِهنَّ مِن بَعضٍ، وقدْ أنكَرَ ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه هذا الفِعلَ مِن الرَّجُلِ، وقال له: هَذًّا كهَذِّ الشِّعرِ! أي: قرَأْتَه قِراءةً مُتسرِّعَةً ليس فيها تَدبُّرٌ كما يُفعَلُ في الشِّعرِ، وإنَّمَا قال ذلك لأنَّ تِلكَ الصِّفةَ كانتْ عادَتَهم في إنشادِ الشِّعْرِ، وهذا الإنكارُ مِن ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه لفِعلِ الرَّجلِ؛ لِمَا فيه مِن قلَّةِ التَّدبُّرِ لِمَا يقرَؤُه، أمَّا لو كان المُصلِّي مُتدبِّرًا مُتأنِّيًا، فإنَّ طُولَ قِيامِه زِيادةٌ له في الأجرِ.

ثمَّ ذكَرَ ابنُ مسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه يَعرِفُ النَّظائرَ، وهي السُّوَرُ المُتقارِبةُ في الطُّولِ، الَّتي كان يَقرَأُ بها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَجمَعُ بيْنَهنَّ في صَلاتِه، يَقرَأُ سُورتينِ في كلِّ رَكعةٍ، عدَدُهنَّ عِشرونَ سُورةً مِن المُفصَّلِ، وقد ورَد ذِكرُ هذه السُّوَرِ عندَ أبي داودَ عن ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، وهي: الرَّحمنُ والنَّجمُ في رَكعةٍ، والقمرُ والحاقَّةُ في رَكعةٍ، والطُّورُ والذَّارِياتُ في رَكعةٍ، والواقعةُ والقلَمُ في رَكعةٍ، والمعارِجُ والنَّازعاتُ في ركعة، و«وَيْلٌ للمُطفِّفِينَ» و«عَبَسَ» في ركعة، والمدَّثِّرُ والمُزمِّلُ في رَكعةٍ، والإنسانُ والقيامةُ في رَكعةٍ، والنَّبأُ والمُرسَلاتُ في رَكعةٍ، والدُّخَانُ والتَّكويرُ في رَكعةٍ.فإنْ قيل: الدُّخَانُ لَيست مِن المُفصَّلِ، فَكيف عدَّهَا مِن المُفصَّلِ؟ فالجوابُ: أنَّ فيه تَجوُّزًا، وقد جاء في رِوايةٍ: ثَمانِي عشْرةَ سُورةً مِن المُفصَّلِ، وسُورتينِ مِن آلِ «حم».

وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ الجمْعِ بيْن السُّورتينِ أو أكثَرَ في رَكعةٍ واحدةٍ.