باب ما عوذ به النبي ﷺ وما عوذ به5
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن سليمان بن هشام البغدادي، حدثنا وكيع، (ح)
وحدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، حدثنا أبو عامر، قالا: حدثنا سفيان، عن منصور، عن منهال، عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين، يقول: "أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة"، قال: "وكان أبونا إبراهيم يعوذ بها إسماعيل وإسحاق"، أو قال: "إسماعيل ويعقوب" (1)
اللهُ سُبحانَه تعالَى هو القادِرُ على صَرْفِ الشُّرورِ عن عبْدِه، ولقدْ كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَستعيِذُ باللهِ ممَّا يَخافُ ويَحذَرُ، ويُعوِّذُ غيرَه؛ فعلَى المؤمنِ أنْ يَلْزمَ ذلك ويَستعيِذَ باللهِ مِن شُرورِ خَلْقِه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبْدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُعوِّذُ الحسَنَ والحُسينَ رَضيَ اللهُ عنهما ابنَي علِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه وفاطمةَ بنتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، بقولِه: «أَعُوذُ بكَلِماتِ اللهِ التَّامَّةِ، مِن كُلِّ شَيطانٍ وهَامَّةٍ، ومِن كُلِّ عَينٍ لَامَّةٍ»، ويَقولُ لهما: إنَّ أباكما -يعني: جَدَّكما الأعْلى إبراهيمَ عليه السَّلامُ- كان يُعوِّذُ وَلَدَيه إسماعيلَ وإسحاقَ بهذه الكَلماتِ.
والتَّعوُّذُ باللهِ تعالَى وكَلماتِه هو الالْتجاءُ إليهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّه سُبحانَه القادِرُ على صَرْفِ الشُّرورِ عن عبْدِه، وكَلماتُ اللهِ مَحمولةٌ على أسمائِه الحُسنى، وصِفاتِه العُلى، والكُتبِ المُنزَّلةِ مِن عِندِه سُبحانَه وتعالَى، أو المقصودُ بها المعوِّذِتَانِ: سُورةُ الفلَقِ وسُورُة النَّاسِ، أو المقصودُ بها القرآنُ الكريمُ. والتَّامَّةُ: صِفةٌ لازمةٌ لكَلِماتِ اللهِ عزَّ وجلَّ، أي: الكامِلةُ الخاليةُ مِن النَّقصِ، أو النَّافعةُ، أو الشَّافيةُ، أو المبارَكةُ. وقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مِن كُلِّ شَيطانٍ وهَامَّةٍ»، أي: مِن كلِّ شَيطانٍ إنسيًّا كان أو جِنيًّا. والهامَّةُ: هي كلُّ ما له سَمٌّ، وقيل: إنَّ الهوامَّ حَشَراتُ الأرضِ، والعينُ اللَّامَّةُ: هي العينُ الَّتي تُصيبُ بالسُّوءِ وتُلحِقُ الضَّررَ بمَن تَنظُرُه.
وفي الحديثِ: فضْلُ التَّعوُّذِ بالذِّكرِ الواردِ في الحديثِ.
وفيه: حِرصُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على اتِّباعِ سُنَّةِ خَليلِ الرَّحمنِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ.