باب ما يجب على الإمام 1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عبد الحميد بن سليمان أخو فليح، حدثنا أبو حازم، قال:
كان سهل بن سعد الساعدي يقدم فتيان قومه يصلون بهم، فقيل له: تفعل، ولك من القدم ما لك؟! قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الإمام ضامن، فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء - يعني - فعليه ولا عليهم" (1).
الصَّلاةُ أعظمُ ركنٍ مِن أركانِ الإسلامِ بعد الشَّهادتَينِ، وقد علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كيفيَّتَها وهيئتَها، وأمَرَنا بإتمامِ رُكوعِها وسُجودِها، وأمَرَنا بالصَّلاةِ في جَماعةٍ، وأن نَأتَمَّ بالإمامِ ونتَّبِعَه في كلِّ أفعالِه الظَّاهرةِ.
وهذا الحديثُ يُبيِّنُ بعضَ أحكامِ الصَّلاةِ مع الإمامِ، حيثُ يَقولُ أبو حازمٍ سَلَمةُ بنُ دينارٍ: "كانَ سَهْلُ بنُ سَعدٍ السَّاعِديُّ يُقدِّمُ فِتيانَ قَومِه يُصَلُّون بهم، فقيلَ له: تَفعَلُ ولك مِنَ القِدَمِ ما لك؟!"، أي: إنَّه كان يَرفُضُ أن يَقِفَ إمامًا في الصَّلاةِ، ويُقدِّمُ الشُّبَّانَ مِن قومِه للإمامةِ، وهو الأَوْلى بها لِمَقامِه وصُحبتِه لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وقال رَضِي اللهُ عَنه مفسِّرًا أسبابَ ذلك: إنِّي سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ: "الإمامُ ضامِنٌ"، أي: متحمِّلٌ للصَّلاةِ وما يُحْدِثُه فيها مِن خطَأٍ، وقيل: معناه أنَّه يَحفَظُ الصَّلاةَ وعدَدَ الرَّكَعاتِ على القومِ، وقيل: مَعناه ضامنٌ الدُّعاءَ يَعُمُّهم به ولا يَختَصُّ بذلك دونَهم، وليس الضَّمانُ الَّذي يُوجِبُ الغَرامةَ مِن هذا في شيءٍ، وقد تأوَّلَه قومٌ على مَعنى أنَّه يتَحمَّلُ القِراءةَ عنهُم في بعضِ الأحوالِ، وكذلك يتَحمَّلُ القِيامَ أيضًا إذا أدرَكَه راكِعًا، "فإنْ أحسَنَ"، أي: أتَى بالصَّلاةِ على الطَّريقةِ الصَّوابِ في الإتمامِ والخُشوعِ وغيرِ ذلك، وأتى بها تامَّةً على أحسَنِ وُجوهِها، وفي روايةٍ أخرى مِن حديثِ عُقبةَ بنِ عامِرٍ رَضِي اللهُ عَنه: "فأصاب الوَقْتَ"، أي: أدرَكَ الصَّلاةَ في وقتِها المفروضِ، "فلَه ولَهُم"، أي: للإمامِ أجْرُه وللمُصلِّين أجرُهم على الصَّلاةِ الصَّحيحةِ، "وإنْ أساءَ- يَعْني- فعَلَيه ولا علَيهم"، أي: فإنِ انتَقَص الإمامُ مِن حُقوقِ الصَّلاةِ شيئًا فعليه وحْدَه إثمُ ذلك النَّقصِ، وللمُصلِّين أجرُهم على صَلاتِهم؛ إذْ لا تَقصيرَ منهم، وكلُّ هذا يَعني خُطورةَ الإمامةِ في الصَّلاةِ وأنَّه يَنبَغي على مَن تصدَّى لها أن يَكونَ عالِمًا بأحكامِها، ويَقِظًا ومُتحرِّيًا للدِّقَّةِ؛ حتَّى لا يقَعَ فيما يُذهِبُ ثوابَ الصَّلاةِ.
ودلَّ هذا الحديثُ على أنَّ خطَأَ الإمامِ لا يُؤثِّرُ في صِحَّةِ صلاةِ المأمومِ إذا أصاب.