باب: ما كتم الأمراء فهو غلول

بطاقات دعوية

باب: ما كتم الأمراء فهو غلول

 عن عدي بن عميرة الكندي قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة قال فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه فقال يا رسول الله اقبل عني عملك قال وما لك قال سمعتك تقول كذا وكذا قال وأنا أقوله الآن من استعملناه منكم على عمل فليجئ (1) بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذ وما نهي عنه انتهى. (م 6/ 12

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ناصحًا ومُعلِّمًا لأُمَّتِه، فكان يُرشِدُ أصحابَه إلى ما فيه صَلاحُهم، وما يُناسِبُ حالَ كلِّ واحدٍ منهم، ويَنْهاهم عمَّا لا يُطِيقونَه مِن الأعمالِ، ومِن ذلك أنَّه بيَّن لهم ما يَنْبغي لِلْوالي فِعلُه مِن أداءِ الحقوقِ وعَدمِ أخْذِ الأموالِ بغيرِ حقٍّ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مَنِ اسْتَعْمَلْناه منكم» أي: جَعَلْناه عامِلًا وواليًا «على عملٍ» مِن أعمالِ الدِّينِ، كأخذِ الزَّكاةِ والفَيءِ والخَراجِ، أو أعمالِ الدُّنيا ممَّا يُبِيحُ له جمْعَ ما أمَرَ به الشَّرعُ مِن أموالٍ، فأَخْفَى علينا مِن هذه الأموالِ ما يُساوي «مِخْيَطًا»، أي: إِبْرَةً «فما فَوْقَهُ»، أي: شيئًا يكونُ فَوْقَه في الصِّغَرِ أو الكِبَرِ؛ كان ذلك الكِتْمَانُ «غُلُولًا»، أي: خِيَانَةً، وأصْلُ الغُلولِ: هو ما سُرِق وأُخِذ مِن الغَنيمةِ قبْلَ أنْ تُقسَمَ، وفي حُكمِه الأموالُ العامَّةُ الَّتي تُعتبَرُ مِلكًا للأُمَّةِ إذا أخَذَ منها ما لا يَستحِقُّ، ولذلك فإنَّ هذا الَّذي كَتَم وغَلَّ يَأْتي بِما غَلَّ يومَ القيامةِ، تَفضِيحًا له، يُحاسَبُ عليه ويُعذَّبُ به.
وأخبَرَ الصَّحابيُّ عَديُّ بنُ عَمِيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رجُلًا أسْوَدَ مِنَ الأنصارِ -وهُم أهلُ المدينةِ- قام إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقولُه: «كأَنِّي أنْظُرُ إليهِ» تأكيدٌ لحالِ تَذكُّرِه الموقفَ وفِعلَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وما حَدَّثهم به، فقال هذا الرَّجلُ: «يا رسولَ الله، اقْبَلْ عنِّي عَمَلَك» أي: اعْزِلْني مِن هذا العملِ الَّذي تَولَّيْتُه وكلِّفْ به غيْري، وقد طلَبَ الرَّجلُ ذلك تَورُّعًا وخَوفًا على نفْسِه أنْ يَدخُلَ في هذا الوعيدِ، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وما لكَ؟» أيُّ عُذرٍ لكَ أيُّها الرَّجلُ في رَدِّ عَمَلي علَيَّ وانخلاعِكَ منه، وما السَّببُ في استقالتِكَ؟ فذكَرَ الرَّجلُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما حَدَّث وما أنْذَرَ به عُمَّالَه من الوَعِيدِ، وهو لا يَخلُو مِن الزَّلَلِ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وأنا أَقُولُه الآنَ» في هذا الزَّمنِ الحاضرِ، يعني أنا ثابتٌ على ما سَبَق مِنَ القولِ: «مَنِ استَعْمَلْناه منكم» أي: جعَلْناهُ عاملًا على عمَلٍ، «فلْيَجِئْ بقَلِيلِه وكثيرِه» أي: بقَليلِ ما أخَذَ وكَثيرِه، وهذا يدُلُّ على أنَّه لا يُباحُ له أنْ يَقتطِعَ منه شيئًا لنفْسِه ولا لغيرِه، لا أُجرةً ولا غيْرَها، إلَّا أنْ يَأذَنَ له الإمامُ الَّذي تَلزَمُه طاعتُه، فما أُعْطِيَ مِن ذلك العملِ أُجرةَ عَملِه، فله أنْ يَأخُذَه، وما مُنِع مِن أخْذِه امْتَنَع عنه وترَكَه، وهذا تَأكيدٌ لِمَا قَبْلَه.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن الخِيانةِ.
وفيه: النَّهيُ عن الغُلولِ وأنَّ الوعيدَ فيه عَظيمٌ وخَطيرٌ في القليلِ والكثيرِ.