باب {ما ودعك ربك وما قلى}
بطاقات دعوية
عن جندب بن سفيان - رضى الله عنه - قال: اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يقم ليلتين أو ثلاثا، فجاءت امرأة , فقالت: يا محمد! إنى لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك (وفي رواية: ما أرى صاحبك إلا أبطأك) , لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثا، فأنزل الله عز وجل: {والضحى. والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى}.
اجتهد المُشرِكون في إيذاءِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يُفَوِّتوا أيَّ فُرصةٍ للكَيدِ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا بادروا إليها، ولم يُضعِفْ هذا من عزيمةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وثباتِه في طريقِ دَعْوَتِه؛ إذ كان اللهُ له خَيْرَ مُعِينٍ ومُدافِعٍ.
وفي هذا الحَديثِ يحكي جُندَبُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد مَرِضَ، فلمْ يَقُمْ لصَلاةِ اللَّيلِ ليْلتَيْن أو ثَلاثًا، فجاءت امرأةٌ -هي العَوْرَاءُ بنتُ حَرْبٍ أختُ أبي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عنه، وهي حَمَّالَةُ الحَطَبِ زَوْجُ أبي لَهَبٍ-، فقالت مُتهكِّمةً: يا مُحَمَّدُ، إنِّي لَأَرْجُو أنْ يكونَ شَيْطانُكَ قد تَرَكَك، لم أَرَهُ قَرِبَكَ مُنذ ليْلتَيْن أو ثلاثًا، فأنزَل اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1 - 3]، والضُّحَى: هو وقْتُ ارْتفاعِ الشَّمسِ بعْدَ إشراقِها، وهو وَقتُ النَّشاطِ والحَرَكةِ، والإقبالِ على السَّعيِ والعَمَلِ؛ ولذا خُصَّ بالقَسَمِ به. أو المقصودُ بالضُّحى: النَّهارُ كلُّه؛ لأنَّه جُعِل في مقابلةِ اللَّيلِ كُلِّه. {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} أي: أَقْبَلَ بِظَلامِه، {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ}، أي: ما قَطَعَك ربُّك قَطْعَ المُوَدِّع، {وَمَا قَلَى} أي: وما أَبْغَضَك، بل أنت محَلُّ رِضانا ومحَبَّتِنا ورِعايَتِنا.
وفي الحَديثِ: ملازمةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقيامِ اللَّيلِ.
وفيه: مكانةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عند رَبِّه عزَّ وجَلَّ.