باب ما يذكر الإمام فى خطبته بمنى
حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن حميد الأعرج عن محمد بن إبراهيم التيمى عن عبد الرحمن بن معاذ التيمى قال خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن فى منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع أصبعيه السبابتين فى أذنيه ثم قال « بحصى الخذف ». ثم أمر المهاجرين فنزلوا فى مقدم المسجد وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد ثم نزل الناس بعد ذلك.
( ونحن بمنى ) : أيام منى أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام بعده , والأحاديث الأخر مصرحة بيوم النحر فيحمل المطلق على المقيد ويتعين يوم النحر ( ففتحت أسماعنا ) : بضم الفاء الثانية وكسر الفوقية بعدها أي اتسع سمع أسماعنا وقوي , من قولهم قارورة فتح بضم الفاء والتاء أي واسعة الرأس
قال الكسائي : ليس لها صمام وغلاف , وهكذا صارت أسماعهم لما سمعوا صوت النبي صلى الله عليه وسلم , وهذا من بركات صوته إذا سمعه المؤمن قوي سمعه واتسع مسلكه حتى صار يسمع الصوت من الأماكن البعيدة ويسمع الأصوات الخفية ( ونحن في منازلنا ) : فيه دليل على أنهم لم يذهبوا لسماع الخطبة بل وقفوا في رحالهم وهم يسمعونها , ولعل هذا المكان فيمن له عذر منعه عن الحضور لاستماعها وهو اللائق بحال الصحابة رضي الله عنهم ( فطفق يعلمهم ) : هذا انتقال من التكلم إلى الغيبة وهو أسلوب من أساليب البلاغة مستحسن ( حتى بلغ الجمار ) : يعني المكان الذي ترمى فيه الجمار , والجمار هي الحصى الصغار التي يرمي به الجمرات ( فوضع إصبعيه السبابتين ) : زاد في نسخة لأبي داود : في أذنيه , وإنما فعل ذلك ليكون أجمع لصوته في إسماع خطبته , ولهذا كان بلال يضع إصبعيه في صماخي أذنيه في الأذان وعلى هذا وفي الكلام تقديم وتأخير وتقديره فوضع إصبعيه السبابتين في أذنيه حتى بلغ الجمار ( ثم قال ) : أي رمى
وفيه استعارة القول للفعل وهو كثير في السنة , والمراد أنه وضع إحدى السبابتين على الأخرى ليريهم أنه يريد حصى الخذف
قاله الشوكاني
وقال في موضع آخر : يحتمل أن يكون المراد بالقول القول النفسي كما قال تعالى { ويقولون في أنفسهم } ويكون المراد هنا النية للرمي
قال أبو حيان : وتراكيب القول الست تدل على معنى الخفة والسرعة , فلهذا عبر هنا بالقول ( بحصى الخذف ) : بالحاء المهملة والذال المعجمة , ويروى بالخاء والذال المعجمتين
قال الشوكاني : والثاني هو الأصوب
قال الجوهري في فصل الحاء المهملة : حذفته بالعصا أي رميته بها , وفي فصل الخاء المعجمة خذف الحصى الرمي به بالأصابع وقال الأزهري : حصى الخذف صغار مثل النوى يرمى بها بين إصبعين
قال الشافعي : حصى الخذف أصغر من الأنملة طولا وعرضا , ومنهم من قال بقدر الباقلا
وقال النووي : بقدر النواة وكل هذه المقادير متقاربة لأن الخذف بالمعجمتين لا يكون إلا بالصغير ( في مقدم المسجد ) : أي مسجد الخيف الذي بمنى , ولعل المراد بالمقدم الجهة ( ثم نزل الناس ) : برفع الناس على أنه فاعل , وفي نسخة من سنن أبي داود , ثم نزل بتشديد الزاي كذا في النيل
قال المنذري : وأخرجه النسائي