باب ما يستحب من تقصير الخطبة

سنن النسائي

باب ما يستحب من تقصير الخطبة

أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن غزوان، قال: أنبأنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، قال: حدثني يحيى بن عقيل، قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى، يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة، والمسكين فيقضي له الحاجة»

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم خُلقُه القُرآنُ؛ فكان كما وصف ربه سبحانه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وكان صلَّى الله عليه وسلَّم فَقيهَ النَّفسِ، كثيرَ العِبادةِ، ويُكثِرُ مِن ذِكرِ اللهِ سبحانه وتعالى، ويُصلِّي بالنَّاسِ صلاةً، فيُتِمُّ بهم في غيرِ طُولٍ، ويُقصِّرُ الخُطبةَ فيَعقِلُها العالِمُ والجاهلُ، ولا يتَكبَّرُ على أحدٍ، فيُساعِدُ الجميعَ، كما يُخبِرُ عنه عبدُ اللهِ بنُ أبي أوفَى رَضِي اللهُ عَنه

في هذا الحديثِ بقولِه: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "يُكْثِرُ الذِّكْرَ"، أي: يُكثِرُ مِن ذِكْرِ اللهِ سبحانه وتعالى، "ويُقِلُّ اللَّغْوَ"، أي: الكلامَ قليلَ الفائدةِ والجَدْوى، فغالِبُ كلامِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم جامعٌ، ويَحتمِلُ أن يَكونَ المرادُ: أنَّه كان قليلَ الدُّعابةِ، وإنْ كان يَفعَلُها أحيانًا، وقيل: القِلَّةُ بمعنى العدَمِ، أي: لا يَلْغو، ويكونُ اللَّغوُ بمعنى الكلامِ الَّذي لا فائدةَ فيه أو الكلامِ الباطلِ، فهذا مُنعَدِمٌ في حقِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "ويُطيلُ الصَّلاةَ"، أي: في أغلَبِ أحوالِه، ولعلَّه يَعني هنا الجُمُعةَ بشكلٍ أخَصَّ، وعمومًا هي إطالةٌ نِسبيَّةٌ؛ فإطالتُه في الجُمُعةِ أنَّه كان يَقرَأُ بالأعلى والغاشيةِ أحيانًا، والجُمُعةِ والمنافقون أحيانًا، "ويُقصِّرُ الخُطبةَ"، أي: في أغلَبِ أحوالِه، ولعلَّه يَعني هنا أيضًا الجُمُعةَ بشكلٍ أخَصَّ؛ فطولُ الصَّلاةِ، وقِصَرُ الخُطبةِ عَلامةٌ ودليلٌ على فِقهِ الرَّجلِ كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وهو أفقهُ النَّاسِ؛ فقِصَرُها أحْرى لها أن تُستوعَبَ فَهْمًا، فيُعمَلَ بها، "ولا يَأنَفُ"، أي: لا يَستكبِرُ ويستنكِفُ "أن يَمشِيَ مع الأرمَلةِ"، وهي المرأةُ الَّتِي مَاتَ زَوْجُهَا؛ ليَقضيَ لها حاجَتَها، سواءٌ كَانتْ غَنِيَّةً أوْ فقِيرةً "والمِسْكينِ"، أي: المُحتاجِ الَّذي لم يَجِدْ ما يَكْفيه، أو لم يَجِدْ شيئًا، "فيَقْضي له الحاجةَ"، أي: يَسعى لهما في قَضاءِ حاجتِهما الَّتي طلَبوها منه
وفي الحديثِ: بيانُ عظيمِ شَمائلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وبيانُ فِقْهِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وتَيسيرِه وتَواضُعِه