باب ما يكون فيه اليمن والشؤم 1
سنن ابن ماجه
حدثنا عبد السلام بن عاصم، حدثنا عبد الله بن نافع حدثنا مالك بن أنس، عن أبي حازمعن سهل بن سعد، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن كان، ففي الفرس والمرأة والمسكن" يعني الشؤم (1).
كَتَبَ اللهُ المَقادِيرَ قبْلَ أنْ يَخلُقَ السَّمواتِ والأرضَ بخَمسينَ ألْفَ سَنةٍ؛ فلا يَجري شَيءٌ في الكَونِ إلَّا بعِلمِه وقَدَرِه، والتَّشاؤُمُ والتَّفاؤُلُ لا يُغيِّرانِ مِن قَدَرِ اللهِ شَيئًا، فالذي يَنبَغي لِلْمُؤمِنِ أنْ يَعلَمَه أنَّ تَشاؤُمَه لنْ يُغيِّرَ مِن قَدَرِ اللهِ شَيئًا، وأنَّ قَدَرَه تعالَى كُلَّه له خَيْرٌ، وما يُحَصِّلُه مِن تَشاؤُمِه إنَّما هو تَعذيبُ نَفْسِه فقطْ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ التَّشاؤُمَ -وهو التَّوَهُّمُ بوُقوعِ المَكْروهِ بشَيءٍ ما، فيُظَنُّ أنَّ هذا الشَّيءَ هو السَّببُ فيما حَدَثَ أو أصابَ العَبدَ- يَكونُ عن أسبابٍ ثَلاثةٍ، أو أنَّ النُّفوسَ يَقَعُ فيها التَّشاؤُمُ بثَلاثةِ أشياءَ أكثَرَ ممَّا يَقَعُ بغَيرِها، وهذه الثَّلاثةُ هي: الفَرَسُ، في نُفورِها، أو عَدَمِ الغَزْوِ عليها، والمَرأةُ إذا كانَتْ سَلِيطةَ اللِّسانِ، أو غَيرَ قانِعةٍ، أو غَيرَ وَلودٍ، والدَّارُ إذا كانَتْ ضَيِّقةً أو قَريبةً مِن جارِ سَوْءٍ، أو بَعيدةً عنِ المَسجِدِ. وهذه الأشياءُ الثَّلاثةُ هي أغلَبُ ما يَكونُ فيه التَّشاؤُمُ؛ لِأنَّها أكثَرُ دَوَامًا مِن غَيرِها. ولِهذه الأشياءِ الثَّلاثةِ «المرأةِ، والدَّارِ، والفَرَسِ» أهَمِّيَّةٌ عُظمَى، وأثَرٌ كَبيرٌ في حَياةِ الإنسانِ، فإنْ كانَتِ المرأةُ مُلائِمةً لزَوجِها خُلُقًا، مُتَفاهِمةً معه، مُخلِصةً له، مُطيعةً وَفِيَّةً، وكانَتِ الدَّارُ صِحِّيَّةً واسِعةً مُناسِبةً له ولِأُسرَتِه، وكانَتِ الفَرَسُ -وما في مَعانيها ممَّا يُركَبُ؛ مِثلَ السَّيَّارةِ- قَوِيَّةً مُرِيحَةً؛ ارْتَاحَ الإنسانُ في حياتِه، وشَعَرَ بالسَّعادةِ، وأحَسَّ بالاطمِئنانِ والاستِقرارِ النَّفْسِيِّ. وأمَّا إذا كانَتِ الزَّوجةُ غَيرَ صالِحةٍ، أوِ الدَّارُ غَيرَ مُناسِبةٍ، أو الفَرَسُ أوِ السَّيَّارةُ غَيرَ مُريحةٍ؛ فإنَّ الإنسانَ يَشعُرُ بالتَّعاسةِ والقَلَقِ، ويَتْعَبُ تَعَبًا جِسمِيًّا ونَفْسِيًّا معًا. وقيلَ: الشُّؤمُ في هذه الثَّلاثةِ إنَّما يَلحَقُ مَن تَشاءَمَ بها وتَطيَّرَ بها، أمَّا مَن تَوكَّلَ على اللهِ، ولم يَتشاءَمْ، ولم يتَطيَّرْ؛ لم تَكُنْ مَشْؤومةً عليه، ويَدُلُّ عليه ما رَواه ابنُ حِبَّانَ عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «الطِّيَرةُ على مَن تَطيَّرَ»، ومَعْناهُ: إثْمُ الطِّيَرةِ على مَن تَطيَّرَ بعْدَ عِلمِه بنَهيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ الطِّيَرةِ.
وإخْبارُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ الشُّؤمَ يَكونُ في هذه الثَّلاثةِ ليس فيه إثْباتُ الطِّيَرةِ التي نَفاها، وإنَّما غايَتُه أنَّ اللهَ سُبحانَه قد يَخلُقُ منها أعْيانًا مَشْؤومةً على مَن قارَبَها، وأعْيانًا مُبارَكةً لا يَلحَقُ مَن قارَبَها منها شُؤمٌ، ولا شَرٌّ، وهذا كما يُعطي سُبحانَه الوالِدَيْنِ وَلَدًا مُبارَكًا يَرَيانِ الخَيرَ على وَجهِه، ويُعطي غَيرَهما وَلَدًا مَشْؤومًا نَذْلًا يَرَيانِ الشَّرَّ على وَجهِه، وكُلُّ ذلِكَ بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِه، كما خَلَقَ سائِرَ الأسْبابِ ورَبَطَها بمُسبَّباتِها المُتَضادَّةِ والمُختَلِفةِ.