باب متى يحل فطر الصائم؟
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، وهو صائم (35)، فلما غربت الشمس قال لبعض القوم:
"يا فلان! (36) قم فاجدح (37) لنا"، فقال: يا رسول الله! لو أمسيت؟ (وفي رواية: لو انتظرت حتى تمسي، وفي أخرى: الشمس (38) 2/ 237) قال:
"انزل فاجدح لنا"، قال: يا رسول الله! فلو أمسيت؟ (وفي رواية: لو انتظرت حتى تمسي، وفي أخرى: الشمس) قال:
"انزل فاجدح لنا". قال: إن عليك نهارا، قال:
"انزل فاجدح لنا". فنزل فجدح لهم [في الثالثة]، فشرب النبي - صلى الله عليه وسلم - (39)[ثم رمى (وفي رواية: أومأ 6/ 176) بيده ها هنا، وفي رواية: وأشار بإصبعه قبل
المشرق] ثم قال:
" إذا رأيتم الليل قد أقبل من ها هنا؟ فقد أفطر الصائم"
مِنَ المَعلومِ أنَّ الخَيرَ كُلَّ الخَيرِ في اتِّباعِ هَدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والشَّرَّ كُلَّ الشرِّ يَأتي مِن الابتداعِ في الدِّينِ، ولَمَّا كان الصِّيامُ مِن أجلِّ العِباداتِ وأعظَمِ القُرُباتِ، كان لِزامًا على المُسلِمِ أنْ يَلتزِمَ هَدْيَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيه الَّذي حثَّ على تَعجيلِ الفِطرِ.
وفي هذا الحديثِ يَروِي عَبدُ الله بنُ أبِي أَوفَى رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفَرٍ، وكان صائِمًا، فلمَّا غَرَبَتِ الشَّمسُ أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رجُلًا أنْ يَجدَحَ لهم -بأنْ يَخلِطَ الشَّعيرَ المَدقوقَ أو الدَّقيقَ باللَّبَنِ أو الماءِ- وذلك لِيُفْطِروا عليه، فظَنَّ الرجلُ أنَّ وَقْتَ الإفطارِ لم يَجِئْ بعدُ، فقال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا رسولَ اللهِ، لو أخَّرْتَ الإفطارَ قَليلًا؛ للتَّأكُّدِ مِن دُخولِ وقْتِ الغُروبِ، فكرَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمْرَه وقال له: «قُمْ فاجْدَحْ لنا»، وكرَّرَ الرجُلُ إجابتَه، وفي المرَّةِ الثَّالثةِ قال له الرجُلُ: «إنَّ عليك نَهارًا»، فلم نَزَلْ في وقْتِ النَّهارِ ولم تَغرُبِ الشَّمسُ؛ لِتوهُّمِه أنَّ ذلك الضَّوْءَ الَّذي يَراهُ مِن النَّهارِ الَّذي يَجِبُ صَومُه، ولعلَّه رَأى كَثرةَ الضَّوءِ مِن شِدَّةِ الصَّحوِ، فظنَّ أنَّ الشَّمسَ لم تَغرُبْ، أو غَطَّاها نحْوُ جَبلٍ، أو كان هناك غَيمٌ، فلم يَتحقَّقِ الغروبُ، ولو تَحقَّقَه ما تَوقَّفَ؛ لأنَّه يكونُ حينئذٍ مُعانِدًا، وإنَّما تَوقُّفُه احتياطًا واستِكشافًا عن حكْمِ المسألةِ، وفي المرَّةِ الرابعةِ فَعَل الرَّجلُ ما أمَرَه به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فشَرِب النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ أخبَرَهم وعلَّمَهم أنَّه إذا غَرَبَتِ الشَّمسُ ودَخَل اللَّيلُ مِن جِهةِ المَشرِقِ -وذلك آخِرُ النَّهارِ وأوَّلُ أوقاتِ اللَّيلِ- فقدْ حلَّ وقْتُ الفِطر للصائمِ.
وبهذا يكونُ تَعجيلُ الفِطرِ عندَ تَحقُّقِ غُروبِ الشَّمسِ مُباشرةً؛ لئلَّا يُزادَ في النَّهارِ مِن اللَّيلِ، ولأنَّه أرفَقُ بالصَّائمِ، وأقوى في قَبولِ الرُّخصةِ، وشُكرِ النِّعمةِ.
وفي الحَديثِ: تَذكيرُ العالِمِ بما يُخشى أنْ يكونَ نَسِيَه، وتَرْكُ المُراجَعةِ له بعْدَ ثَلاثٍ.
وفيه: جَوازُ الصَّومِ في السَّفرِ، وتَفضيلُه على الفِطرِ لمَن لا تَلحَقُه بالصَّومِ مَشقَّةٌ ظاهرةٌ.
وفيه: بَيانُ أنَّ الأمرَ الشَّرعيَّ أبلَغُ مِن الحِسِّيِّ، وأنَّ العقلَ لا يَقْضي على الشَّرعِ.