باب من أحق بالإمامة
حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، أنا أيوب ، عن عمرو بن سلمة، قال: «كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، وكنت غلاما حافظا، فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا، فانطلق أبي وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه فعلمهم الصلاة، وقال: يؤمكم أقرؤكم، فكنت أقرأهم لما كنت أحفظ، فقدموني، فكنت أؤمهم وعلي بردة لي صغيرة صفراء، فكنت إذا سجدت تكشفت عني، فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم، فاشتروا لي قميصا عمانيا، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع أو ثمان سنين»
( كُنَّا بِحَاضِرٍ ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْحَاضِرُ الْقَوْمُ النُّزُولُ عَلَى مَا يُقِيمُونَ بِهِ لَا يَرْحَلُونَ عَنْهُ ، وَرُبَّمَا جَعَلُوهُ اسْمًا لِمَكَانِ الْحُضُورِ يُقَالُ : نَزَلْنَا حَاضِرَ بَنِي فُلَانٍ فَهُوَ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ( يَمُرُّ بِنَا النَّاسُ ) . اسْتِئْنَافٌ أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْخَبَرِ ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ : كُنَّا بِمَاءِ مَمَرِّ النَّاسِ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ ( وَقَالَ يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ فَكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ لِمَا كُنْتُ أَحْفَظُ ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ : وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا ، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرٌ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ ( فَقَدَّمُونِي ) أَيْ لِلْإِمَامَةِ ( وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي صَغِيرَةٌ ) الْبُرْدَةُ كِسَاءٌ صَغِيرٌ مُرَبَّعٌ ، وَيُقَالُ كِسَاءٌ أَسْوَدٌ صَغِيرٌ وَبِهِ كُنِّيَ أَبُو بُرْدَةَ ( تَكَشَّفَتْ عَنِّي ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ انْكَشَفَتْ أَيِ ارْتَفَعَتْ عَنِّي لِقِصَرِهَا وَضِيقِهَا حَتَّى يَظْهَرَ شَيْءٌ مِنْ عَوْرَتِي . وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ : تَقَلَّصَتْ عَنِّي وَمَعْنَاهُ اجْتَمَعَتْ وَانْضَمَّتْ وَارْتَفَعَتْ إِلَى أَعَالِيَ الْبَدَنِ ( وَارُوا عَنَّا ) أَيِ اسْتُرُوا عَنْ قِبَلِنَا أَوْ عَنْ جِهَتِنَا ( عُمَانِيًّا ) _ نِسْبَةً إِلَى عُمَانَ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ _ مَوْضِعٌ عِنْدَ الْبَحْرَيْنِ ( فَرَحِي بِهِ ) أَيْ مِثْلَ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ ؛ إِمَّا لِأَجْلِ حُصُولِ التَّسَتُّرِ ، وَعَدَمِ تَكَلُّفِ الضَّبْطِ ، وَخَوْفِ الْكَشْفِ ؛ وَإِمَّا فَرِحَ بِهِ كَمَا هُوَ عَادَةُ الصِّغَارِ بِالثَّوْبِ الْجَدِيدِ ( فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ ) قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ : فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ مِنْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي إِمَامَةِ الْمُمَيِّزِ وَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ ، وَعَنْ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُمَا الْأُخْرَى فِي النَّوَافِلِ دُونَ الْفَرَائِضِ ، قَالُوا وَلَا حُجَّةَ فِي قِصَّةِ عَمْرٍو هَذِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ أَنَّهُ كَانَ عَنْ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَقْرِيرِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ دَلِيلَ الْجَوَازِ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الْوَحْيِ ، فَلَوْ كَانَ إِمَامَةُ الصَّبِيِّ لَا تَصِحُّ لَنَزَلَ الْوَحْيُ بِذَلِكَ ، وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ أَمَّهُمْ فِي نَافِلَةٍ يُبْعِدُهُ سِيَاقُ الْقِصَّةِ
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ عَمْرٌو : فَمَا شَهِدْتُ مَشْهَدًا فِي جَرْمٍ إِلَّا كُنْتُ إِمَامُهُمْ وَهَذَا يَعُمُّ الْفَرَائِضَ وَالنَّوَافِلَ . قُلْتُ : وَيَحْتَاجُ مَنِ ادَّعَى التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ إِمَامَةُ الصَّبِيِّ فِي هَذَا دُونَ ذَلِكَ إِلَى دَلِيلٍ . انْتَهَى مُلَخَّصًا . قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ : وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي إِمَامَةِ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْبَالِغِ إِذَا عَقَلَ الصَّلَاةَ ، فَمِمَّنْ أَجَازَهَا الْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ ابْنُ رَاهْوَيْهِ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَؤُمُّ الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُحْتَلِمِ إِذَا عَقَلَ الصَّلَاةَ إِلَّا فِي الْجُمُعَةِ ، وَكَرِهَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْغُلَامِ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُضَعِّفُ أَمْرَ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ وَقَالَ مَرَّةً دَعْهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ بَيِّنٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : إِذَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ أَمَّهُمْ . قُلْتُ : وَفِي جَوَازِ صَلَاةِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ بِقَوْمِهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ نَافِلَةٌ انْتَهَى
( فِي بُرْدَةٍ مُوَصَّلَةٍ ) بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ أَيْ مُرَقَّعَةٍ وَالْوَصْلُ بِالْفَارِسِيَّةِ بيوندكردن جَامه وَالْإِيصَالُ بيواندانيدن ( فِيهَا فَتْقٌ ) أَيْ خَرْقٌ ( خَرَجَتِ اسْتِي ) أَيْ ظَهَرَتْ لِقِصَرِ بُرْدَتِي وَضِيقِهَا . الْمُرَادُ بِالِاسْتِ هُنَا الْعَجُزُ ، وَيُرَادُ بِهِ حَلْقَةُ الدُّبُرِ