باب من أين أرخوا إلى التاريخ؟
بطاقات دعوية
عن سهل بن سعد قال: ما عدوا من مبعث النبى - صلى الله عليه وسلم - ولا من وفاته، ما عدوا إلا من مقدمه المدينة.
كانتِ العرَبُ قبْلَ الإسْلامِ تَستعمِلُ التَّقْويمَ القَمَريَّ، ويُؤَرِّخونَ بأبرَزِ الأحْداثِ، كعامِ الفِيلِ ونَحوِه، ولَمَّا هاجَرَ المُسلِمونَ إلى المَدينةِ، كانوا يُطلِقونَ على كلِّ سَنةٍ مِن السَّنَواتِ اسمًا خاصًّا بها حَسْبَما يقَعُ فيها مِن أحْداثٍ، وظلَّ الأمرُ هكذا حتَّى جاءت خِلافةُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، فاتَّخَذَ مِن هِجرةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِدايةً للتَّاريخِ الإسْلاميِّ.
وفي هذا الحَديثِ يَذكُرُ سَهلُ بنُ سَعدٍ السَّاعِديُّ رَضيَ اللهُ عنه بِدايةَ التَّاريخِ في الإسْلامِ، فأخبَرَ أنَّهم لم يَتَّخِذوا مِن وَقتِ مَبعَثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِدايةَ العدَدِ للتَّاريخِ، قيلَ: لأنَّ وقْتَه كان مُختَلَفًا فيه بحسَبِ دَعوتِه للحقِّ، ودُخولِ الرُّؤْيا الصَّالحةِ فيه، فلا يَخْلو مِن نِزاعٍ في تَعْيينِ سَنَتِه، وأيضًا لم يَبْدؤوا مِن وَقتِ وَفاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِما يقَعُ في تَذكُّرِه مِن الأسَفِ والتَّألُّمِ على فِراقِه. ولكنْ بَدَؤوا التَّأريخَ مِن وَقتِ مَقدَمِه المَدينةَ مُهاجِرًا، وإنَّما جَعَلوه مِن أوَّلِ المُحرَّمِ؛ لأنَّ أوَّلَ السَّنةِ الشَّرعيَّةِ المُحرَّمُ، أو لأنَّ ابتِداءَ العَزمِ على الهِجرةِ كان في أوَّلِ المُحرَّمِ؛ إذِ البَيعةُ وقَعَتْ في أثْناءِ ذي الحِجَّةِ، وهي مُقدِّمةُ الهِجرةِ، فكان أوَّلَ هِلالٍ استُهِلَّ بعْدَ البَيْعةِ والعَزمِ على الهِجرةِ هِلالُ المُحرَّمِ، وابْتِداءُ التَّاريخِ الهِجْريِّ كان في زمَنِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه في العامِ السَّابِعَ عَشَرَ مِن الهِجْرةِ، وقيل: السَّادسَ عَشَرَ، وقيل: الثَّامنَ عَشَرَ.