باب ما جاء في البناء 2

بطاقات دعوية

باب ما جاء في البناء 2

 عن ابن عمر:
والله ما وضعت لبنة على لبنة، ولا غرست نخلة منذ قبض النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال سفيان: فذكرته لبعض أهله، قال: والله لقد بنى.
قال سفيان: قلت: فلعله قال قبل أن يبني.
...

كان الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم يعيشون كما كان يعيشُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكانوا زاهدين في متاعِ الدُّنيا ولا يتكالبون عليها، وإنما يأخُذون ما جاءهم من رزقِ اللهِ سَهلًا حلالًا، ورَضُوا بالقليلِ والعَيشِ في شِدَّةٍ إلى أن فتَحَ اللهُ عليهم واغتنى كثيرٌ منهم، ومع ذلك لم تَسكُنِ الدُّنيا قُلوبَهم.
وفي هذا الحَديثِ نَفَى عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنْ يَكونَ قد بَنَى بيتًا بنفْسِه أو غَرَسَ نَخْلةً مُنْذُ قُبِضَتْ رُوحُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
ولذلك لَمَّا قال راوِي الحديثِ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: فذَكَرْتُه -أي هذا الأثَرَ- لبعضِ أهلِ ابنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، فقال: واللهِ لقد بَنَى بيتًا، فقال سُفْيَانُ -لِيَجْمَعَ بيْنَ القولَيْنِ-: فلعلَّه (أي ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما) نَفَى بِناءَه قَبْلَ أن يَبْنِيَ البيتَ الذي بناه بيَدِه، وهو اعتذارٌ حَسَنٌ مِن سُفيانَ.
وقد ورد في روايةٍ أخرى عند البخاري أنَّ ابنَ عُمَرَ قال: «رَأَيْتُنِي مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَنَيْتُ بيَدِي بَيْتًا يُكِنُّنِي مِنَ المَطَرِ، ويُظِلُّنِي مِنَ الشَّمْسِ، ما أعَانَنِي عليه أحَدٌ مِن خَلْقِ اللَّهِ».
والظَّاهِرُ في السِّياقِ أنَّ حَديثَ النَّفيِ قَيَّده ابنُ عُمَرَ بوفاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنما حديثُ البناءِ وقع في حياتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وزَمَنِه.