باب من باع رباعا فليؤذن شريكه 2
سنن ابن ماجه
حدثنا أحمد بن سنان، والعلاء بن سالم، قالا: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا شريك، عن سماك، عن عكرمة
عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كانت له أرض فأراد بيعها، فليعرضها على جاره" (2).
نظَّم الشَّرعُ الحكيمُ أُمورَ البيعِ والشِّراءِ والشَّرِكاتِ؛ حتَّى يُزيلَ أسبابَ الخلافِ بينَ النَّاسِ، ويَحفَظَ لكلِّ صاحبِ حقٍّ حقَّه.
وفي هذا الحَديثِ يَحكِي ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "مَن كانت له أرضٌ"، وأرادَ بيْعَها، "فَلْيَعرِضْها على جارِه"، أي: يُعرِّفْ جارَه برَغبَتِه في البيعِ أوَّلًا، ويكونُ للجارِ حقُّ الشُّفْعةِ؛ إنْ شاءَ اشتَرى أو يُحِلَّه فيَبِعْ لشخصٍ آخَرَ، والجارُ هنا عامٌّ يتَناوَلُ المسلِمَ والكافِرَ والذِّمِّيَّ. وفي روايةٍ لأبي داودَ مِن حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عنهما: "الجارُ أحَقُّ بشُفْعةِ جارِه، يَنتَظِرُ بها وإن كان غائِبًا إذا كان طريقُهما واحِدًا"، وهذا ليس مَعْناه أنَّ البائِعَ ينتَظِرُه ولا يَبيعُ، وإنَّما مَعْناه أنَّ المشترِيَ يَنتظِرُ في قَطْعِ حقِّ الشُّفْعةِ ويَحتاجُ إلى إذنِه في ذلك، وقولُه: (إذا كان طَريقُهما واحِدًا) يَقْتَضي أنَّ الشُّفْعةَ تَكونُ عِندَ الشَّرِكةِ في الطَّريقِ.
قيل: وإنَّما جعَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الشُّفْعةَ فيما لم يُقْسَمْ، فإذا وقَعَتِ الحُدودُ وصُرِفَتِ الطُّرُقُ, فلا شُفْعةَ، وقد جعَل اللهُ تعالى حقَّ الشَّفيعِ واجِبًا، وجعَله على لِسانِ رسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنْ وقَفَه المشتري على أنْ يَأخُذَ أو يَترُكَ لَزِمَه أحدُ الأمْرَينِ، وعلى الحاكمِ إجبارُه على أحدِ الأمرَين؛ لأنَّه قد أُعطِيَ حقَّه؛ فلا ينبَغي له تَضييعُه؛ فهو إضاعةٌ للمالِ، ولا بدَّ له مِن أخذِه; أو أن يُبيحَه لغيرِه، وإلَّا فهو غاشٌّ غيرُ ناصحٍ لأخيه المنصِفِ له. قيل: والحِكمةُ في ثُبوتِ الشُّفْعةِ إزالةُ الضَّرَرِ عن الجارِ.
وفي الحديثِ: إثباتُ حقِّ الشُّفْعةِ للجارِ.