باب من بلغ علما 3
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن بشار، ومحمد بن الوليد، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سماك، عن عبد الرحمن بن عبد الله
عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه، فرب مبلغ أحفظ من سامع" (2).
لقد حثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على تبليغِ دَعوةِ الحقِّ إلى النَّاسِ، ونَقْلِ سُنَّتِه؛ حتَّى يَنتَشِرَ الدِّينُ. ... وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رَضِي اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "نَضَّر اللهُ"، مِن النَّضارَةِ، وهو الحُسْنُ والرَّونَقُ، وهذا دُعاءٌ أن يُحسِّنَ اللهُ خَلْقَه ويَرفَعَ قدْرَه، "امْرَأً": أي: شخصًا أيًّا كان مِن الصَّحابةِ الكِرامِ ومَن سَمِع مِنهم، "سَمِع مِنَّا حديثًا"، أي: كلامًا قوليًّا عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أو فِعلًا أو تَقريرًا له، وفي روايةٍ: "فحَفِظَه"، أي: فاستَوعَبه بعَقلِه وقَلبِه، وبَقي حافِظًا له، "فبَلَّغه"، أي: نقَلَه إلى غيرِه كما سَمِعه، "فرُبَّ مُبلَّغٍ أحفَظُ مِن سامعٍ"، وفي روايةٍ: "فرُبَّ حامِلِ فِقهٍ ليس بفَقيهٍ، ورُبَّ حامِلِ فقهٍ إلى مَن هو أفقَهُ مِنه"، و (رُبَّ) تُستعمَلُ للتَّقليلِ والتَّكثيرِ، والمعنى: فقليلًا أو كَثيرًا ما يكونُ الرَّاوي السَّامعُ ليس عالِمًا ولا فقيهًا، ولكنَّه يَحفَظُ السُّنَّةَ ويَنقُلُها إلى غيرِه ممَّن فيهم العُلماءُ والفقهاءُ الَّذين يَستنبِطون الأحكامَ، أو للَّذي يَقدِرُ على الفَهْمِ والاستنباطِ. ... وفي الحديثِ: الحثُّ على حِفظِ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ وتَبليغِها للنَّاسِ. ... وفيه: بيانُ فضلِ العُلماءِ، وفضل حمْل العِلمِ وحِفظِه وتَبليغِه