حدثنا عبد بن حميد قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن عبد الله بن عمرو بن علقمة المكي، عن ابن أبي حسين، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، أن جبريل، جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هذه زوجتك في الدنيا والآخرة» هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عمرو بن علقمة " وقد روى: عبد الرحمن بن مهدي، هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن علقمة، بهذا الإسناد مرسلا ولم يذكر فيه عن عائشة. وقد روى أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من هذا
رُؤيا الأنبياءِ حَقٌّ ووَحيٌ، وقد أرى اللهُ سُبحانَه نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما يُثَبِّتُ فؤادَه، ويُقِرُّ عَينَه، فأراه بعضَ الأُمورِ المستقبليَّةِ التي ستقَعُ معه، وبشَّره بزواجِه من عائشةَ بنتِ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، كما يُبَيِّنُ هذا الحديثُ؛ إذ تَحكِي عَائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لها: «أُرِيتُكِ قبْلَ أنْ أتَزوَّجَك في المنامِ مرَّتين»، فرَأى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جِبْرِيلَ عليه السَّلامُ وهو يحمِلُ عائِشةَ في «سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ»، أي: قِطعةٍ مِن حَريرٍ، وفي روايةٍ أُخرى في الصَّحيحينِ: «هذه امرأتُك»، أي: زوجتُك في الدُّنيا، وهذا إشعارٌ مِنَ اللهِ عزَّ وجَلَّ لنبيِّه بتزويجِه من عائِشةَ بنتِ أبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، «فقُلْتُ له: اكْشِفْ» عمَّا في هذه القِطعةِ مِن الحريرِ، «فكَشَف، فإذا هِيَ أنتِ، فقُلتُ: إنْ يَكُنْ هذا مِنْ عِنْدِ الله يُمْضِهِ»، فيُنْفِذْه ويُتِمَّه، ثُمَّ أُرِيَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مرةً أُخرى، والمَلَكُ جِبريلُ يَحْمِلُها في قِطعةٍ مِن حَرِيرٍ، فطلب من جِبريلَ أن يكشِفَ عَمَّا في القِطعةِ الحريريَّةِ، فكشف، فإذا الشَّخصُ الذي في القِطعةِ مِن الحريرِ عائشةُ، فكرَّر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَقُولتَه: «إنْ يَكُ هذا مِن عندِ الله يُمْضِهِ».
وقد يُستشكَلُ قولُه: «إنْ يَكُ هذا مِن عندِ الله يُمْضِهِ»؛ لأنَّ ظاهرَه الشَّكُّ، ورُؤيا الأنبياءِ وحْيٌ. والجوابُ: أنَّه لمْ يَشُكَّ في صحِّةِ الرُّؤيا، ولكنْ وَجهُ التَّردُّدِ هل هي رؤيا وَحيٍ على ظاهِرِها وحَقيقتِها أو هي رؤيا وَحيٍ لها تَعبيرٌ وتَأويلٌ آخرُ غيرُ الظَّاهِرِ كأنْ يكونَ المُرادُ بها نَظيرَ المَرءِ أو سَمِيَّه مثلًا؟ وكلا الأمرَينِ جائزٌ في حقِّ الأنبياءِ.
وفي الحَديثِ: فَضلٌ ومَنقبةٌ لأمِّ المُؤمِنينَ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها.