باب من مات وعليه صيام من نذر 1

سنن ابن ماجه

باب من مات وعليه صيام من نذر 1

حدثنا عبد الله بن سعيد، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الأعمش، عن مسلم البطين والحكم وسلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد
عن ابن عباس، قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن أختي ماتت وعليها صيام شهرين متتابعين، قال: "أرأيت لو كان على أختك دين، أكنت تقضينه؟ " قالت: بلى. قال: "فحق الله أحق" (1).

على المسلِمِ أنْ يَجتَهِدَ دائمًا في وفاءِ الحقوقِ الَّتي عليه، سواءٌ كانت تلك الحُقوقُ للهِ تعالى أو للعِبادِ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما: "جاءتِ امرأةٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: تستَفْتيه، فقالت: "إنَّ أُخْتي ماتَت وعليها صومُ شهرَينِ مُتَتابِعَين"، أي: مِن فرْضٍ أو نذْرٍ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أرأَيتِ لو كان على أختِكِ دَينٌ"، أي: مالٌ لأحَدٍ مِن النَّاسِ، "أكُنتِ تَقْضينَه؟"، أي: تَقْضين هذا الدَّينَ لِصاحِبِه، قالت المرأةُ: "نعَم"، أي: ستُوفِّيه وتَقْضيه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فحَقُّ اللهِ أحَقُّ"، أي: فإذا كان حقُّ العبدِ يَقْضى فحَقُّ اللهِ أولى بالقَضاءِ.
ودلَّ هذا الحديثُ على أنَّ مَن مات وعليه صَومٌ، لأوليائِه أنْ يَصوموا عنه، لكن ذَكَر العُلماءُ أنَّ الصيامَ الذي يُقضَى هو الصِّيامُ الذي ترَكه الميِّتُ لِعُذرٍ مِن سفَرٍ أو مرَضٍ يُرجَى بُرؤُه، لَزِمَه قضاؤُه، فإنْ ماتَ دونَ أن يَقضيَه مع تَمكُّنِه مِن القضاءِ، بَقِي الصِّيامُ في ذمَّتِه، لِحديثِ عائِشَةَ رضيَ اللهُ عَنها عندَ البخاريِّ: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ: "مَن مات وعليه صيامٌ صامَ عنه وليُّه"، وأمَّا إنْ مات قبلَ أن يتَمكَّنَ مِن القَضاءِ، كمَن استمَرَّ به المرضُ حتَّى ماتَ، فلا شَيءَ عليه، ولا يَقضي أولياؤُه عنه شيئًا، وهذا لِعُمومِ قولِ اللهِ تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، فجعَل اللهُ تعالى الواجِبَ عليه عدَّةً مِن أيَّامٍ أُخَرَ، فإذا مات قبلَ إدراكِها فقد مات قبلَ زمَنِ الوجوبِ، وأيضًا فإنَّ هذا المريضَ ما دام في مرَضِه لا يَجِبُ عليه أن يَصومَ، فإذا مات قبلَ بُرْئِه فقد مات قبلَ أن يَجِبَ عليه الصَّومُ، فلا يَجِبُ أن يُطعَمَ عنه؛ لأنَّ الإطعامَ بدَلٌ عن الصِّيامِ، فإذا لم يَجِبِ الصِّيامُ لم يَجِبْ بَدلُه، أمَّا مَن ترَك الصِّيامَ تَفريطًا وإهمالًا، ولم يَكُنْ له عُذرٌ ثمَّ مات، فهذا لا يَلزَم أولياؤه القضاءُ ولا يَصِحُّ منه؛ لِفَواتِ وقتِه.