باب مناقب على بن أبي طالب القرشى الهاشمى أبي الحسن رضي الله عنه 1
بطاقات دعوية
عن سعد بن عبيدة قال: جاء رجل (34) إلى ابن عمر، فسأله عن عثمان؟ فذكر عن محاسن عمله؟ قال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال: نعم. قال: فأرغم الله بأنفك. ثم سأله عن علي؟ فذكر محاسن عمله؛ قال: هو ذاك بيته؛ أوسط بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال الرجل: أجل. قال: فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد علي جهدك (35).
يَنبَغي على المُسلِمِ ذِكرُ مَحاسنِ الصَّحابةِ ومَناقِبِهم ومآثِرِهم، والسُّكوتُ عمَّا شَجَر بيْنَهم، وإنَّ مَن أرادَ اللهُ به شَقاءً فإنَّه يَلهَجُ بذِكرِ ما شَجَر بيْنَهم، ولا يضُرُّ بذلك إلَّا نفْسَه.
وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما فَضْلَ عُثمانَ وعلِيٍّ رَضيَ اللهُ عنهما، ويرُدُّ على السَّائلِ الَّذي سَأَلَ عنهما، وأساءَه مَحاسِنُهما، فيَرْوي التَّابِعيُّ سَعدُ بنُ عُبَيدةَ أنَّ رَجلًا جاء إلى عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، فسَألَه عن عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه، فذكَر له وأخبَرَ عن أعْمالِه الحَسَنةِ، وما أكثَرَها! مِثلُ إنْفاقِه في جَيشِ العُسرةِ، وتَسْبيلِه بِئرِ رُومةَ، وغَيرِ ذلك مِن مَحاسِنِه، ثمَّ قال ابنُ عُمَرَ للسَّائلِ: لعلَّ ذاك يَسوؤُكَ؟ أي: لعلَّ ما أخبَرْتُكَ به مِن مَحاسِنِ عمَلِه لا يَطيبُ لكَ، ويَصعُبُ عليكَ، فقال: نَعمْ يَسوؤُني، فقال له: «فأرغَمَ اللهُ بأنفِكَ»، أي: ألصَقَه بالرَّغامِ، أي: فأذَلَّه وأهانَه، والرَّغامُ في الأصْلِ: التُّرابُ، فكأنَّه يَقولُ له: أسقَطَكَ اللهُ على الأرضِ، فيَلصَقُ وَجهُكَ بالرَّغامِ، ثمَّ سَألَه الرَّجلُ عن علِيٍّ، فذكَر له ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما مِن مَحاسِنِ عمَلِه؛ مِن شُهودِه بَدرًا وغَيرَها، وفَتحِ خَيْبرَ على يدَيْه، وقَتْلِه مَرحَبًا اليَّهوديَّ، وغيرِ ذلك، ثمَّ قال له مِثلَ ما قال أوَّلًا، وزادَ فقال عن علِيٍّ: هو ذاك بيتُه؛ أوسَطُ بُيوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يُشيرُ بذلك إلى أنَّ لعَلِيٍّ مَنزلةً عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حيث إنَّ بَيتَه أوسَطُ بُيوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقيلَ: أحسَنُها بِناءً، ثمَّ قال ابنُ عُمَرَ للرَّجلِ السَّائلِ: لعلَّ ذاك يَسوؤُكَ؟ فقال الرَّجلُ: نعمْ يَسوؤُني، ثمَّ ردَّ عليه عبدُ اللهِ بقَولِه: «أرغَمَ اللهُ بأنفِكَ»، مِثلَ ما قال في الأوَّلِ، ثمَّ نهَرَه فقال: انطَلِقْ فاذهَبْ مِن عِندي، «فاجهَدْ علَيَّ جَهدَكَ»، أي: ابلُغْ غايتَكَ في هذا الأمرِ، واعمَلْ في حقِّي ما تَستَطيعُ وتَقدِرُ؛ فإنِّي قُلتُ حقًّا، وقائلُ الحقِّ لا يُبالي بما يُقالُ في حقِّه مِن الأباطيلِ.
وفي الحَديثِ: ذِكرُ فَضلِ الصَّحابةِ لمَن عاداهم، وإرْغامُهم به.
وفيه: أنَّه يَنبَغي على العالِمِ الحقِّ أنْ يَصدَعَ بالحقِّ أمامَ كلِّ سائلٍ، ولا يَكونَ على هَوى مَن سأَلَه.