باب منزلة الفقراء2
سنن ابن ماجه
حدثنا إسحاق بن منصور، أنبأنا أبو غسان بهلول، حدثنا موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار
عن عبد الله بن عمر، قال: اشتكى فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فضل الله به عليهم أغنياءهم، فقال: "يا معشر الفقراء، ألا أبشركم، إن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم، خمس مئة عام" ثم تلا موسى هذه الآية: {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} [الحج: 47]
وعَدَ اللهُ سُبحانه وتَعالَى بالأجرِ العظيمِ لمَن صَبَر على بَلاءِ الدُّنيا في سَبيلِ رِفعةِ الدِّينِ، ومِن ذلك أنَّه تَعالَى أعْطى بِشارةً لأَهْلِ الفَقرِ والصَّبرِ مِنَ المهاجِرينَ، وَبيَّن ما لَهم مِن مَكانةٍ عِندَه سُبحانَه وتَعالَى وما يَنتظِرُهم مِن تَيسيرٍ في أَصعبِ المواقِفِ، وهُوَ مَوقفُ الحِسابِ والمُجازاةِ لَهم لصَبرِهم بالسَّبقِ بدُخولِ الجَنَّةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ أبو عَبدِ الرَّحمنِ الحُبُليُّ أنَّ ثَلاثةَ رِجالٍ جاؤوا إلى عَبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضيَ اللهُ عنهما، فَقالوا له وأقْسَموا باللهِ: «ما نَقدِرُ عَلى شيءٍ؛ لا نَفقَةٍ، ولا دابَّةٍ، ولا مَتاعٍ»، فشَكَوا إليه شِدَّةَ فَقرِهم، وأنَّهم لا شَيءَ لهم؛ فخَيَّرَهم رَضيَ اللهُ عنه بيْنَ ثَلاثةِ أُمورٍ: بيْنَ أنْ يُعاوِدوا الرُّجوعَ إليه مرَّةً أُخرى؛ لِيُعطِيَهم ما يَقدِرُ عليه ويَتيسَّرُ له، وبيْنَ أنْ يَرفَعَ حاجتَهم للخليفةِ ووَليِّ الأمرِ، فيكونَ هو القاضيَ لِحاجتِهم، وبيْنَ يَصبِروا على حاجتِهِم وفَقرِهم، وقبْلَ أنْ يُجاوِبوه حَدَّثَهم عبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه بحَديثٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفيه أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «إنَّ فُقراءَ المهاجِرينَ» والمرادُ بهم: مَن هاجَرَ إلى المدينةِ في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان قدْ تَرَك مالَه في بَلدِه الَّتي هاجَرَ منها، وخَصَّهم بالذِّكرِ؛ لأنَّهم كانوا في حاجةٍ إلى العَطاءِ مِن غَيرِهم، فهؤلاء «يَسبِقونَ الأَغنياءَ يَومَ القِيامةِ إِلى الجنَّةِ بأَربعينَ خَريفًا، أي: أَربعينَ سَنةً، وسَببُ دُخولِهم الجنَّةَ قبْلَ الأغنياءِ: أنَّهم لا يُحاسَبون على ما يُحاسَبُ عليه الأغنياءُ؛ مِن الأموالِ والثَّرواتِ، فأولئك يَسْبِقونهم لأنَّهم ليْس عِندهم شَيءٌ يُحاسَبون عليه مِن حيثُ الأموالُ: تَجمِيعُها ومِن أيْن جاءت؟ وأيْن صُرِفَت؟ فاختارَ الثَّلاثَةُ الصَّبرَ على الفقرِ؛ لِما يَترتَّبُ عليه مِن الأجرِ العظيمِ في الآخرةِ؛ فإنَّ السَّبْقَ إلى الجنَّةَ ونَعيمِها أَولى مِن التَّأخُّرِ عنها وأفضَلُ، والصَّبرُ على الفقرِ وشِدَّتِه في الدُّنيا أهوَنُ وأخَفُّ مِن الصَّبرِ على شِدَّةِ الآخرةِ.
وتَحدَّدَ الوقتُ في هذا الحديثِ بأنَّ الفقراءَ يَسْبِقون الأغنياءَ بأربعينَ خَريفًا، وفي حَديثٍ أخرَجَه ابنُ ماجهْ، عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يَدخُلُ فُقَراءُ المُؤمِنينَ الجَنَّةَ قبْلَ الأغْنِياءِ بنِصْفِ يَومٍ، خَمسِ مِائةِ سَنةٍ» أي: خَمس مِائةِ عامٍ مِن أعوامِ الدُّنيا، ويُجمَعُ بأنَّ هذا السَّبْقَ يَختلِفُ بحَسَبِ أحْوالِ الفُقراءِ والأغنياءِ؛ فمنهم مَن يَسبِقُ بأربعين عامًا، ومنهم مَن يَسبِقُ بخَمسِ مِائةِ سَنةٍ.