باب نكاح الصغار يزوجهن الآباء 1
سنن ابن ماجه
حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه
عن عائشة، قالت: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة، فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج، فوعكت، فتمرق شعري حتى وفى له جميمة، فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحبات لي، فصرخت بي فأتيتها وما أدري ما تريد، فأخذت بيدي فأوقفتني على باب الدار، وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي، ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به على وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في بيت، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحى، فأسلمتني (1) إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين (2).
ما تَزوَّجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِكرًا إلَّا أمَّ المؤمِنينَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، وقدْ كانت أحَبَّ أزْواجِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى قَلبِه.
وفي هذا الحَديثِ تُخبرُ أمُّ المؤمِنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها بقِصَّةِ زَواجِها مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَزوَّجَها وهي بنتُ ستِّ سنينَ، أي: عقَد عليها، ولم يَدخُلْ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بها وهي في هذا السِّنِّ، ثمَّ وُعِكَتْ، أي: مرِضَتْ مَرضًا تَقطَّعَ منه شَعرُها، حتَّى وَفَى جُمَيْمةً، تَصغيرُ جُمَّةٍ، وهي ما سَقَطَ على المنكبينِ مِن شَعرِ الرَّأسِ، فجاءتْها أُمُّهما أمُّ رُومانَ -واسمُها زَينبُ بنتُ عامرِ بنِ عوَيْمِرٍ رَضيَ اللهُ عنها- وهي تَلعَبُ مع صَاحِباتِها على أُرْجوحةٍ، وهي نَوعٌ مِن لُعَبِ الصِّغارِ، وهي خَشَبةٌ يُوضَعُ وسَطُها على مكانٍ مُرتفِعٍ، ويَجلِسونَ على طرَفَيْها ويَتحرَّكونَ بها، فتَرتفِعُ جِهةً، وتَنزِلُ الأُخْرى، ويَميلُ أحدُهما بالآخَرِ. فنادَتْها أمُّها، فجاءَتْها عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها وهي تَنهَجُ، أي: تَتنفَّسُ تَنفُّسًا عاليًا، ويَغلِبُها التَّنفُّسُ مِن الإعْياءِ، والنَّهَجُ: تَتابُعُ التَّنفُّسِ مِن شدَّةِ الحَرَكةِ، أو فِعلٍ مُتعِبٍ، فمسَحَتْ رَأسَها ووَجْهَها بالماءِ، ثمَّ أدخَلَتْها الدَّارَ، وكان فيها نِسوةٌ مِن الأنْصارِ، وهنَّ نِساءُ أهلِ المَدينةِ، فقُلْنَ: «على الخَيرِ والبَرَكةِ، وعلى خَيرِ طائرٍ»، وهو دُعاءٌ بالسَّعادةِ على أفضَلِ حظٍّ وبَرَكةٍ، والطَّائرُ: الحظُّ مِن الخَيرِ والشَّرِّ، ثمَّ جعَلْنَ يُمشِّطْنَها ويُزيِّنَّها، قالت: «فَلَمْ يَرُعْنِي إلَّا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضُحًى»، أي: لم تُفاجأْ -ويُقالُ هذا في الشَّيءِ الَّذي لا يُتوقَّعُ فيَأْتي فَجأةً- إلَّا برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ آتيًا في وَقتِ الضُّحى، فانصَرَفَتْ معَه، ودخَل بها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان عُمرُها حينَئذٍ تِسعَ سِنينَ، وكان ذلك في شوَّالٍ مِن السَّنةِ الأُولى مِن الهِجْرةِ، أوِ الثَّانيةِ.
وفي الحَديثِ: الدُّعاءُ بالخَيرِ والبَرَكةِ لكلِّ واحدٍ مِن الزَّوجَينِ.
وفيه: تَنظيفُ العَروسِ، وتَزيينُها لزَوجِها، واجتِماعُ النِّساءِ لذلك.
وفيه: الدُّخولُ بالعَروسِ نَهارًا.