باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة 1

بطاقات دعوية

باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة 1

عن عطاء بن أبي رباح قال: زرت عائشة مع عبيد بن عمير الليثي، [وهي مجاورة بثبير 4/ 38]، فسألناها عن الهجرة؟ فقالت: لا هجرة اليوم (وفي رواية: انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - مكة)، كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله تعالى، وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ مخافة أن يفتن عليه، فأما اليوم؛ فقد أظهر الله الإسلام، واليوم يعبد ربه حيث شاء، ولكن جهاد ونية.

كانتِ الهِجرةُ واجِبةً على المؤمِنينَ في بِدايةِ الإسْلامِ إلى المَدينةِ، فَهاجَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهاجَرَ أصْحابُه رِضْوانُ اللهِ عليهم، وقدِ انقطَعَ حُكمُ الهِجرةِ في عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابِه بعْدَ أنْ فتَح اللهُ على المُسلِمينَ مكَّةَ المُكرَّمةَ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ عَطاءُ بنُ أبي رَباحٍ، أنَّه وعُبَيدَ بنَ عُمَيرٍ اللَّيْثيَّ ذَهَبا لزيارةِ  أمِّ المؤمِنينَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، وكانتْ حِينئذٍ بمكَّةَ مُجاوِرةً في جبَلِ ثَبيرٍ، وهو جبَلُ المُزْدَلِفةِ على يَسارِ الذَّاهِبِ إلى مِنًى، وقيلَ: هو أعظَمُ جِبالِ مكَّةَ، فسَأَلاها عنِ الهِجرةِ الَّتي كانت قبْلَ الفَتحِ: أكانتْ واجبةً إلى المَدينةِ، ثمَّ نُسِخَت؟ فأخْبَرَتهم أنَّه لا هِجْرةَ اليومَ بعْدَ أنْ فتَحَ اللهُ عزَّ وجلَّ مكَّةَ، وبيَّنَتِ السَّببَ في انْقِطاعِ حُكمِ الهِجرةِ بعدَ الفَتحِ؛ وذلك أنَّ المؤمِنينَ في بِدايةِ أمْرِهم كانوا يَفِرُّونَ مِن اضْطِهادِ وإيذاءِ الكفَّارِ؛ مَخافةَ أنْ يُفْتَنوا في دينِهم، ويَرجِعوا إلى الكُفرِ؛ خَوفًا مِن بَطشِ الكفَّارِ بهم، وكذلك لتَعلُّمِ الشَّرائعِ والأحْكامِ، وقِتالِ الكفَّارِ، أمَّا بعْدَ ظُهورِ الإسْلامِ، وشُيوعِ العِلمِ بالشَّرائعِ والأحْكامِ، فلم يعُدْ هناك سَببٌ للهِجرةِ؛ إذ صار المؤمِنُ آمِنًا على نفْسِه، يَعبُدُ رَبَّه كيف شاء، ومَتى شاء، وأين شاء، فالحُكمُ يَدورُ مع عِلَّتِه، وإذا قُدِرَ على إظْهارِ الدِّينِ في بلَدٍ مِن بِلادِ الكُفرِ، فقد صارَتِ البلَدُ به دارَ إسْلامٍ، فالإقامةُ فيها أفضَلُ مِنَ الرِّحلةِ؛ لِمَا يُتَرجَّى مِن دُخولِ غيرِه في الإسْلامِ، وقولُها: «ولكنْ جِهادٌ ونِيَّةٌ»، وفي رِوايةِ مُسلِمٍ نَسَبَتْ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها هذا القولَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد ورَدَ أيضًا في الصَّحيحَينِ مَرْفوعًا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن حَديثِ ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، والمَعنى: ولكنْ لكم جِهادٌ في الكُفَّارِ، ونِيَّةٌ صالِحةٌ في الخَيرِ تُحصِّلونَ بهما الفَضائلَ الَّتي في مَعنى الهِجرةِ الَّتي كانتْ مَفْروضةً لمُفارَقةِ الفَريقِ الباطِلِ، فلا يُكثَّرُ سَوادُهم، ولإعْلاءِ كَلمةِ اللهِ، وإظْهارِ دِينِه.
وفي الحَديثِ: فَضلُ النِّيَّةِ، وأهمِّيَّتُها في الأعْمالِ، ورَفعِ الدَّرجاتِ.
وفيه: فَضلُ الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ.