باب هل يسهم للعبد
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا بشر بن المفضل، عن محمد بن زيد، عن عمير، مولى آبي اللحم قال: " شهدت خيبر مع سادتي، فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلموه أني مملوك، قال: فأمر بي، فقلدت السيف، فإذا أنا أجره، فأمر لي بشيء من خرثي المتاع، وعرضت عليه رقية كنت أرقي بها المجانين، فأمرني بطرح بعضها، وحبس بعضها " وفي الباب عن ابن عباس وهذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، لا يسهم للمملوك، ولكن يرضخ له بشيء، وهو قول الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُعلِّمُ أصحابَه الخيرَ، وكان في كلِّ موقفٍ يُعطيهم فائدةً قوليَّةً أو عمَليَّةً، وذلك أبلَغُ في تَوصيلِ الدَّعوةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عُميرٌ مولى آبي اللَّحمِ: "شَهِدتُ خَيبرَ"، أي: حضَرتُ غَزوةَ خيبرَ، وشارَكتُ فيها وحاربتُ فيها، وكانت غزوةُ خيبرَ في السَّنةِ السَّابعةِ مِن الهِجرةِ بينَ المسلِمين واليهودِ، "مع سادَتي"، أي: معَ مَن يَملِكونَني، والسَّادةُ جمعُ سيِّدٍ، وهو صاحبُ المملوكِ، وقد كان عُميرٌ رضِيَ اللهُ عَنه مَملوكًا للصَّحابيِّ آبي اللَّحمِ، وسُمِّي آبِي اللَّحمِ بذلك؛ لأنَّه كان قد حرَّم اللَّحمَ على نفْسِه، فسُمِّيَ آبِيَ اللَّحمِ، أي: رافِضَ اللَّحمِ، "فكَلَّموا فيَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: فكلَّم سادتي النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عنِّي، ومدَحوا فيَّ وأثنَوْا عليَّ، "وكلَّموه أنِّي مملوكٌ"، أي: وأخبَروا النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنِّي عبدٌ ولستُ حرًّا، "قال"، أي: عُميرٌ: "فأمَر بي فقُلِّدتُ السَّيفَ"، أي: فأمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن يُعطوني سيفًا؛ لأُشارِكَ في الجِهادِ، وأُحارِبَ مع المقاتِلين، أو لأتعلَّمَ المحاربةَ مع المجاهِدين، "فعَلَّقوا لي السَّيفَ على كَتِفي، فإذا أنا أَجُرُّه"، أي: كان السَّيفُ يُجرجِرُ على الأرضِ؛ وذلك إمَّا لأنَّه كان صغيرَ السِّنِّ، أو كان قصيرًا، "فأمَر لي بشيءٍ"، أي: فأمَر ليَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عندَ تقسيمِ الغنائمِ بعدَ الفوزِ بالمعركةِ بحَظِّي ونصيبي مِن المغنَمِ، "مِن خَرْثيِّ المتاعِ"، وخرثيُّ المتاعِ هو ما يُستَعمَلُ مِن أثاثِ البيتِ ولَوازِمِه، أو مَعناه المتاعُ الرَّديءُ؛ وذلك لأنَّه كان عبدًا، ولم يُشارِكْ فعليًّا في القتالِ وإنْ حضَره، "وعَرَضتُ عليه"، أي: وعرَض عُميرٌ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "رُقْيةً كنتُ أَرْقي بها المَجانينَ"، والرُّقيةُ هي الكلماتُ التي يُرقى بها المريضُ من أجلِ الشِّفاءِ، والمعنى أنَّ عُميرًا عرَض على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كلماتٍ لِرُقْيةٍ كان يَرْقي بها المجانينَ حتَّى يُفتِيَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فيها إمَّا أن يُجيزَها له أو يَمنَعَه منها، "فأمَرني بطَرْحِ بعضِها وحَبسِ بعضِها"، أي: فلمَّا سَمِع النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كلماتِ الرُّقيةِ مِن عُميرٍ أمَره بحَذفِ بعضِ كلماتِ الرُّقيةِ؛ لِمُخالَفتِها لِشَريعتِنا؛ كأن يَكونَ بها شِرْكٌ أو عاداتٌ جاهليَّةٌ، وأجاز له صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بعضَ كلماتِ الرُّقيةِ؛ لكونِها ليسَت فيها مخالَفةٌ لِشَريعتِنا، ومُوافِقةً لسُنَّتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفي الحديثِ: بيانُ مُشارَكةِ العَبيدِ في الغزوِ، وإصابَتِهم مِن المغنَمِ.
وفيه: بيانُ قَبولِ بعضِ الرُّقَى إن لم يكُنْ بها مخُالفةٌ شرعيَّةُ.