باب ومن بنى لله مسجدا1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا ليث ابن سعد (ح)
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا داود بن عبد الله الجعفري، حدثنا عبد العزيز بن محمد؛ جميعا عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن الوليد بن أبي الوليد، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة العدوي
عن عمر بن الخطاب، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله، بنى الله له بيتا في الجنة" (1).
بِناءُ المساجِدِ لعِبادةِ اللهِ مِن أجلِّ القُرباتِ والطاعاتِ وأعظَمِها، وقد حثَّ الإسلامُ على بِناءِ المساجدِ وتَعظيمِ حُرمتِها.وفي هذا الحَديثِ يَرْوي التابعيُّ عُبَيدُ اللهِ الخَوْلانيُّ أنَّ عُثمانَ بنَ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه لَمَّا أراد هَدْمَ مَسجِدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإعادةَ بِنائِه على وَجْهٍ أحسَنَ مِنْ بِنائِه الأوَّلِ؛ كَرِهَ النَّاسُ ذلك وأكْثَروا الكلامَ؛ لِمَا فيه مِن تَغييرِ بِناءِ المسجِدِ عن هَيئةِ بُنيانِه في عهْدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّ المسجدَ كان مَبنيًّا باللَّبِنِ، وسَقفُه كان مِن الجَريدِ، وتمَّ تَجديدُه في عَهْدِ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنه، ولكنْ على نفْسِ الهَيئةِ وطَريقةِ بُنيانِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولكنَّ عُثمانَ بَناهُ بالأحجارِ المُزركَشةِ والجصِّ، كما بيَّنَت رِوايةُ صحيحِ البُخاريِّ؛ فلهذا أكثَرَ النَّاسُ الكلامَ على عُثمانَ، فأنكَرَ عليهم عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه، وأخبَرَهم أنَّه سَمِعَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: «مَن بنَى مَسجدًا يَبْتغي به وَجْهَ اللهِ»، طَلَبًا لمَرضاتِه تعالى لا رِياءً ولا سُمعةً، جَزاهُ اللهُ أفضَلَ جَزاءٍ مِن جِنسِ عَمَلِه، وهذا الجزاءُ هو بِناءُ اللهِ له مِثْلَه في الجنَّةِ، وقولُه: «مِثْلَه» ليس المرادُ أنَّه على قَدْرِه، ولا على صِفَتِه في بُنيانِه، ولكنَّ المرادَ مِثْلُه في مُسمَّى البيتِ، وقيل: المرادُ -واللهُ أعلَمُ- أنَّه يُوسَّعُ له في بُنيانِه في الجنَّةِ بحسَبِ تَوسعتِه للمسجدِ في الدُّنيا، ويُحكَمُ بُنيانَه بحسَبِ إحكامِه، ويُكمَلُ انتفاعُه بما يُبْنى له في الجنَّةِ بحسَبِ كَمالِ انتفاعِ الناسِ بما بَناهُ لهم في الدُّنيا.
وفي الحديثِ: أنَّ الإخلاصَ شَرْطٌ لحُصولِ الثَّوابِ في جَميعِ الأعمالِ.
وفيه: بَيانُ فضْلِ بِناءِ المساجدِ.