باب: ومن سورة الأنعام4
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن موسى البصري الحرشي قال: حدثنا زياد بن عبد الله البكائي قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس، قال: " أتى أناس النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، أنأكل ما نقتل ولا نأكل ما يقتل الله؟ فأنزل الله: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين} [الأنعام: 118]- إلى قوله - {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام: 121] ": «هذا حديث حسن غريب، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن ابن عباس أيضا» ورواه بعضهم عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم «مرسلا»
التَّشريعُ حقٌّ مِن حقوقِ اللهِ عزَّ وجلَّ وحْدَه، ولا يُطاعُ فيه أحدٌ مِن المخلوقين غيرُ الأنبياءِ الذين يُبلِّغونَ التَّشريعاتِ عن اللهِ، فمَن أطاع أحَدًا مِن المخلوقين في التَّشريعِ؛ فإنَّه قد اتَّخَذه شَريكًا للهِ عزَّ وجلَّ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهما: "أتَى ناسٌ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، أنَأكُلُ ما نَقتُلُ"، أي: ما نَذبَحُه، "ولا نأكُلُ ما يَقتُلُ اللهُ؟"، والمرادُ: الميتةُ، وكأنَّهم تعَجَّبوا مِن ذلك؛ لأنَّ الميْتةَ أَوْلى بالحلِّ مِن المذبوحةِ، ولأنَّ المذكَّاةَ أنتُمُ الَّذين ذبَحتُموها، وأمَّا الميتةُ فاللهُ هو الَّذي قتَلَها؛ فأنزَل اللهُ قولَه تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ * وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ * وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 118 - 121]، أي: فأخبَر اللهُ عزَّ وجلَّ بأنَّ قِياسَهم خطَأٌ وأسقَط شُبهتَهم، وأظهَر الفارِقَ بينَ الميتةِ والذَّبيحةِ، وهو أنَّ الذَّابحَ ذَكَر اسْمَ اللهِ على ذَبيحتِه، والميتةُ لا يَكونُ عليها ذِكرُ اسمِ اللهِ، وقولُه: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}، أي: إن أطَعتُم المشرِكين في استِحْلالِ الميتةِ وكُنتم مُخالِفين لأمرِ اللهِ باجتِنابِها، كُنتُم مُشرِكين بطاعةِ أولئك الكفَّارِ، واتِّباعِ ما يُخالِفُ شرعَ اللهِ تعالى، وقيل: إنْ عدَلتُم عمَّا شرَعه اللهُ لكم إلى قولِ غيرِه فقدَّمتُموه فهذا يكونُ شِركًا.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على اتِّباعِ أمرِ اللهِ وطاعتِه فيما شرَع وما بلَّغ عنه رسولُه صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم.