‌‌باب ومن سورة التغابن

سنن الترمذى

‌‌باب ومن سورة التغابن

حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا إسرائيل قال: حدثنا سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، وسأله، رجل عن هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم} [التغابن: 14] قال: «هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم»، فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم} [التغابن: 14] الآية:: هذا حديث حسن صحيح "

نَهى الشَّرعُ أن يُطاعَ أحَدٌ في معصيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وأن يَبْقى معَ مَن يُثبِّطُه عن عَملِ الطَّاعاتِ، وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبد اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما وكان قد سأله رجلٌ عَن تلك الآيةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: 14]، أي: إنَّ مِنهم مَن هو بمَنزلةِ العدوِّ لكم؛ لأنَّهم سببٌ في تأَخُّرِكم وانشغالِكم عن الخيرِ؛ مِن جهادٍ وهجرةٍ، وعلمٍ وطاعةٍ وغيرِ ذلك.
قال ابنُ عبَّاسٍ: "هؤلاء رجالٌ أسلَموا مِن أهلِ مكَّةَ، وأرادوا أن يَأْتوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: يُهاجِروا إليه، "فأبى أزواجُهم وأولادُهم أن يَترُكوهم يَأتوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: منَعوهم مِن الهجرةِ والخروجِ مِن مكَّةَ، "فلمَّا أتَوْا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: بعدَ حينٍ، "رأَوُا النَّاسَ"، أي: الَّذين قد سبَقوهم في الهجرةِ، "قد فَقُهوا في الدِّينِ"، أي: بمُصاحبَتِهم لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فحَزِنوا ونَدِموا لذلك، "همُّوا أن يُعاقِبوهم"، أي: فهمَّ هؤلاء القومُ أن يُعاقِبوا أهلَهم الَّذين منَعوهم عن الهجرةِ؛ فكان الجوابُ بقيَّةَ الآيةِ، وهو قولُه تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن: 14]، أي: إن تَعْفوا عَنهم ولا تُعاقِبوهم عمَّا تَسبَّبوا فيه، فإنَّ اللهَ يَغفِرُ للجَميعِ ذُنوبَهم ويَشمَلُهم برحمتِه، وهذا وإنْ كان سببًا في نُزولِ هذه الآيةِ، فإنَّ المعنى عامٌّ، ويَشمَلُ الحذرَ في كلِّ الأوقاتِ عمَّا يَشغَلُ عن اللهِ وطاعتِه، كما يَشمَلُ العفوَ والصَّفحَ عن كلِّ مَن أساء.