باب: ومن سورة الحج2
سنن الترمذى
حدثنا سفيان بن وكيع قال: حدثنا أبي، وإسحاق بن يوسف الأزرق، عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: " لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم ليهلكن " فأنزل الله تعالى {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} [الحج: 39] الآية فقال أبو بكر: «لقد علمت أنه سيكون قتال». هذا حديث حسن. وقد رواه غير واحد عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير مرسلا، وليس فيه عن ابن عباس
للجِهادِ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ منزلةٌ عظيمةٌ؛ فهو ذروةُ سَنامِ الإسلامِ، وهو يَشمَلُ الجهادَ لدَفْعِ العدوِّ والجهادَ لفَتْحِ البُلدانِ ونَشْرِ دَعوةِ الإسلامِ؛ فبالجِهادِ تَعْلو كَلِمةُ اللهِ عزَّ وجلَّ وتَقْوى شَوكةُ المسلِمين، فلا يَطمَعُ فيهم عدوُّهم ولا يَستبيحُهم.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما: "لَمَّا أُخرِج النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن مكَّةَ"، أي: مُهاجِرًا منها إلى المدينَةِ، "قال أبو بَكرٍ: أَخرَجوا نَبِيَّهم! إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعون"، أي: يتأسَّفُ أبو بَكرٍ رَضِي اللهُ عَنه على ما فَعَله مُشرِكو مكَّةَ مِن إخراجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِنها، "ليَهلِكُنَّ"، أي: ليُهلِكَنَّهم اللهُ عزَّ وجلَّ جزاءَ فِعلِهم هذا، فنزَلَ قولُه تعالى: "{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]"، وفيه أمْرٌ من اللهِ عزَّ وجلَّ ورخْصةٌ لعِبادِه في قِتالِ مَن ظلَمَهم، وإنْ كان هو سُبحانه وتعالى قادِرًا على نَصرِ عِبادِه المؤمنين مِن غيرِ قِتالٍ، ولكِنَّه يُريدُ مِن عِبادِه أنْ يَبذُلوا جُهدَهم في طاعَتِه.
فقال أبو بَكرٍ رَضِي اللهُ عَنه: "فعَرَفتُ أنَّه سيَكونُ قِتالٌ"، أي: عَلِم بتِلك الآيَةِ أنَّه سيَقَعُ قِتالٌ بينَ المسلِمين والمشرِكين. قال ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما: "فهي أوَّلُ آيةٍ نزَلَت في القِتالِ"، أي: إنَّ تِلك الآيَةَ هي أوَّلُ آيَةٍ شرَع اللهُ فيها الجهادَ، وقيل: بل أَوَّلُ آيةٍ قولُه تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} [البقرة: 190]، ولكنْ لا خِلافَ في أنَّ القِتالَ كان مَحظورًا قَبلَ الهِجرةِ .