‌‌باب: ومن سورة الزمر10

سنن الترمذى

‌‌باب: ومن سورة الزمر10

حدثنا محمود بن غيلان وغير واحد، قالوا: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري قال: أخبرني أبو إسحاق، أن الأغر أبا مسلم، حدثه عن أبي سعيد، وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " ينادي مناد: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا "، فذلك قوله تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} [الزخرف: 72]: «وروى ابن المبارك وغيره هذا الحديث عن الثوري، ولم يرفعوه»

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كثيرًا ما يُخْبِرُ عنِ الجنَّةِ بِما يُشوِّقُ النُّفوسَ إليها ويَشحَذُ الهِمَمَ لَها، ولِيُشَمِّرَ لها الطَّالِبونَ، ويَرْغَبَ فيها الرَّاغِبونَ.
وفي هذا الحديثِ يَصِفُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعضَ نَعيمِ الجَنَّةِ وصِفاتِ أهلِها وصِفةِ عَيشهِم فيها، فيقولُ: «يُنَادي مُنادٍ» في أَهْلِ الجنَّةِ، وهَذا النِّداءُ فِيه مِنَ السُّرورِ والفَرَحِ لأَهْلِ الجنَّةِ ما فيه؛ فَهُو وحْدَه نَعيمٌ؛ لِما فيه منَ البِشارَةِ العَظيمَةِ، فيُقالُ لهم في هذا النِّداءِ: «إنَّ لَكُم أنْ تَصِحُّوا» أي: تَكونوا صَحيحِي البدَنِ أبدًا، «فَلا تَسقَمُوا» أي: لا تَمْرَضوا «أبدًا»، وإنَّ لكُم أنْ تَكونوا أحياءً فلا تَمُوتوا أبدًا، «وإنَّ لَكُم أن تَشِبُّوا»، أي: يَدومَ شَبابُكم، «فَلا تَهْرَموا أبدًا» ولا يَشيخَ أحدٌ مِن أهلِ الجنَّةِ ولا يَعجَزُ، «وإنَّ لَكُم أن تَنْعَموا» فيَعيشُوا في نِعمةٍ دائمَةٍ ويَتجدَّدَ نَعيمُكم، وتَتلذَّذوا به «فَلا تَبْأَسوا أبدًا»، والبأسُ والبُؤسُ والبأساءُ بمعنًى واحدٍ، وهو شِدَّةُ الحالِ، فمَن دَخَل الجنَّةَ لا يَأخُذُه البأسُ والشِّدَّةُ والجُوعُ والعطشُ، ولا يَفقَرُ ولا يَهتَمُّ؛ لأنَّ الجنَّةَ دارُ الثَّباتِ والقرارِ.
ثُمَّ قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فذَلكَ قَولُ اللهِ تَعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43]» أي: ونادَى فيهم مُنادٍ: إنَّ هذه هي الجنَّةُ الَّتي أخبَرَتْكم بها رُسلُ اللهِ في الدُّنيا، أعقَبَكم اللهُ إيَّاها بما كُنتُم تَعمَلون مِن الأعمالِ الصَّالحةِ، الَّتي تُرِيدون بها وَجْهَ اللهِ، فمَا أَخبَرَ بِه اللهُ تَعالى في القرآنِ مِنَ النِّداءِ عَلى أَهلِ الجَنَّةِ نَظيرُه مَا أَخبَرَ بِه الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يُنادي مُنادٍ».
وفي الحديثِ: أنَّ نَعيمَ الجَنَّةِ دائمٌ لا يَنفَدُ.