باب: ومن سورة بني إسرائيل11
سنن الترمذى
حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا سليمان بن داود، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، ولم يذكر عن ابن عباس، وهشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت} [الإسراء: 110] بها قال: " نزلت بمكة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع صوته بالقرآن سبه المشركون ومن أنزله ومن جاء به، فأنزل الله {ولا تجهر بصلاتك} [الإسراء: 110] فيسب القرآن ومن أنزله ومن جاء به {ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] عن أصحابك بأن تسمعهم حتى يأخذوا عنك القرآن ": «هذا حديث حسن صحيح»
إنَّ المِلَّة الإسلاميَّةَ هي الحَنيفيَّةُ السَّمحاءُ؛ أُصولُها وفُروعُها، كلُّها وَسطٌ لا إفراطَ ولا تَفريطَ، وتُحصِّل جَميعَ المَصالحِ وتَدرأُ جَميعَ المَفاسِدِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما عن سَببِ نُزولِ قولِه تعالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110]؛ فيذكُرُ رضِيَ اللهُ عنه أنَّها نزَلَت في أوَّلِ الإسلامِ، ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُخْتَفٍ بمكَّةَ، فكان إذا صلَّى بأصحابِه رفَعَ صَوتَه بالقُرآنِ، فإذا سَمِع المشْرِكون سَبُّوا القرآنَ ومَن أَنزلَه ومَن جاء به، فقال اللهُ تعالَى لنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}، أي: ولا ترفَعْ صَوتَك بقِراءَةِ صَلاتِك أكثرَ ممَّا يَحتاجُ إليه السَّامعُ؛ فيَسْمَعَ المشْركون فيَسُبُّوا القرآنَ، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}، أيْ: ولا تَخْفِضْ صَوتَك وتُسِرَّ بها عن أصحابِك؛ فلا تُسمِعَهم، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ}، أي: واقصِدْ طريقًا وسَطًا بين الجَهرِ والمُخافَتةِ.
وبذلك نجِدُ أنَّ اللهَ تعالَى قد أمَرَ بما يَحصِّلُ به المنفَعَتين جميعَهما؛ عدمُ الإخلالِ بسَماعِ الحاضِرين، والاحترازُ عن سَبِّ أعداءِ الدِّين للقرآنِ عند سماعِه.
وفي الحَديثِ: فضْلُ ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما وعِلمُه بتَفسيرِ القرآنِ وأسبابِ نُزولِه.