باب: ومن سورة مريم1
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن بشار وغير واحد، قالوا: حدثنا محمد بن بكر البرساني، عن عبد الحميد بن جعفر قال: أخبرني أبي، عن ابن ميناء، عن أبي سعد بن أبي فضالة الأنصاري، وكان من الصحابة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه، نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك ": «هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن بكر»
في هذا الحديثِ يَرْوي المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا قَدِمَ في سَفرِه على أهلِ مِنطَقةِ نَجْرَانَ -وهي مِنطَقةٌ قَديمةٌ تقَعُ في جَنوبِ الجزيرةِ العربيَّةِ على حُدودِ اليمنِ- سَأله أهلُها عن مَريمَ ابنةِ عِمرانَ أُمِّ المسيحِ عِيسى عليه السَّلامُ، فقالوا: «إنَّكم تَقرَؤُون» في القُرآن {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم: 28]، فظَنُّوا أنَّ هارونَ المذكورَ هو أخُو نَبيِّ اللهِ مُوسى عليه السَّلامُ، وقدْ كان مُوسى عليه السَّلامُ قبْلَ عيسى في البَعْثِ والرِّسالةِ بمئاتِ السِّنينَ؛ فكيْف تكونُ مَريمُ أُختَ هارونَ ومُوسى؟! فلمَّا رجَع المُغِيرَةُ إلى المدينةِ حَكَى للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عمَّا قيل له، فأجابه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّهم كانوا يُسَمُّونَ بأنبيائِهم والصَّالحينَ قبلَهم»، يعني: أنَّ هارون المذكورَ في قوله تَعالَى: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم: 28] ليس هو هارونَ النَّبيَّ أخَا موسى عليهما السَّلامُ، بل المرادُ بهارونَ هذا رجُلٌ آخَرُ مسمًّى بهارونَ؛ لأنَّ هذا الاسمَ في بَني إسرائيلَ كان كثيرًا، تَبرُّكًا باسمِ هارونَ أخي مُوسى عليهما السَّلامُ؛ فكانوا يُسمُّون أولادَهم بأسماءِ الأنبياءِ والصَّالحينَ قبْلَهم.
وقيل: إنَّ هارونَ المذكورَ في الآيةِ رجُلٌ صالحٌ مِن بَني إسرائيلَ، يُنسَبُ إليه مَن عُرِفَ بالصَّلاحِ، والمعنى: يا شبَيهتَه فِي العِفَّةِ، وقيل: إنَّ لِمَريمَ أخًا اسمُه هارونُ، كان أيضًا رجُلًا صالحًا في قومِه، وقيل غيرُ ذلك.
وفي الحديثِ: أنَّ مِن هَدْيِ الأُمَمِ قبلَنا التَّسمِيَةَ بأسماءِ الأنبياءِ والصَّالِحين عليهم السَّلامُ.