باب: ومن سورة يونس2
سنن الترمذى
حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا الحجاج بن منهال قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما أغرق الله فرعون قال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} [يونس: 90] " فقال جبريل: يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة: «هذا حديث حسن»
مِن أشَدِّ النَّاسِ كُفرًا على مَرِّ العصورِ فِرعَونُ الَّذي ذكَرَه اللهُ تعالى في القرآنِ؛ فقَد نازعَ اللهَ عزَّ وجلَّ في الألوهيَّةِ، وأوهَم مَن يَحكُمُهم بذلك، وقتَل النَّاسَ في سبيلِ ذلك.
وفي هذا الحديثِ يقولُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لَمَّا أغرَقَ اللهُ فِرْعونَ، قال: آمنتُ أنَّه لا إلهَ إلَّا الَّذي آمنَت به بَنو إسرائيلَ"، أي: إنَّه زعَم عِندَ الغرَقِ أنَّه آمَن أنَّه لا إلهَ إلَّا الَّذي آمنَت به بَنو إسرائيلَ، وهو اللهُ سبحانه وتعالى، ولكنْ قال اللهُ له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [يونس: 91]، أي: أتَقولُها عندَ الغرَقِ والاضطِرارِ ومُعايَنةِ العذابِ؟! وفيه إشارةٌ إلى قولِه تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85]؛ ولذا بادَر جِبريلُ بإسكاتِه قبلَ أن يُكرِّرَها، ويُصرِّحَ بها، "فقال جبريلُ: يا محمَّدُ، فلو رأيتَني وأنا آخُذُ مِن حالِ البحرِ"، أي: طينِه، "فأَدُسُّه في فِيه"، أي: أُدخِلُه في فَمِه لِأُسكِتَه؛ "مَخافةَ أن تُدرِكَه الرَّحمةُ"، أي: أن يَقولَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فتُدرِكَه الرَّحمةُ، ولعلَّه لشِدَّةِ كُفرِ وعُتوٍّ فِرْعونَ فعَل جِبريلُ عليه السَّلامُ معه ذلك، وإلَّا فإنَّ فِرْعونَ آمَن في أثناءِ هَلاكِه، والتَّوبةُ في أثناءِ خُروجِ الرُّوحِ أو مُعايَنةِ الكافرِ لهلاكِه لا تُقبَلُ، فكأنَّ فِعْلَ جِبْريلَ لِمَزيدٍ مِن الاحتِرازِ أن يَرحَمَه اللهُ.
وفي الحديثِ: بيانُ سَعةِ رَحْمةِ اللهِ تعالى على جَميعِ خَلْقِه؛ إذ دسَّ جِبريلُ الطِّينَ في فَمِ فِرْعونَ لذلك.