باب: ومن سورة آل عمران10
سنن الترمذى
حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي البصري قال: حدثنا خالد ابن الحارث، عن محمد بن عجلان، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر»، فأنزل الله تبارك وتعالى: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} [آل عمران: 128] فهداهم الله للإسلام: «هذا حديث حسن صحيح غريب يستغرب من هذا الوجه من حديث نافع عن ابن عمر» ورواه يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان
النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَأمورٌ بتَبْليغِ ما أمَرَه اللهُ تعالَى مِن الدَّعوةِ، وإنْذارِ النَّاسِ مِن عاقِبةِ كُفرِهم، وعَدمِ إسْلامِهم، أمَّا الهِدايةُ وتَوبةُ اللهِ تعالَى، أو عَذابُه وسَخَطُه؛ فإنَّه تعالَى يَهْدي مَن يَشاءُ، ويَتوبُ على مَن يَشاءُ، ويَرحَمُ مَن يَشاءُ، ويُعذِّبُ مَن يَشاءُ، بيَدِه تعالَى الأمرُ كلُّه.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَدْعو على بَعضِ المُشرِكين بعْدَ أنْ يَقومَ مِنَ الرُّكوعِ في الصَّلاةِ وقبْلَ السُّجودِ، مِنَ الرَّكْعةِ الآخِرةِ منَ الفَجْرِ، وهو ما يُسمَّى بدُعاءِ القُنوتِ، وكان يقولُ في دُعائِه: «اللَّهمَّ الْعَنْ فُلانًا وفُلانًا وفُلانًا»، والمَقْصودُ الدُّعاءُ على صَفْوانَ بنِ أُمَيَّةَ، وسُهَيلِ بنِ عَمرٍو، والحارِثِ بنِ هِشامٍ، كما في الرِّوايةِ الأُخرى، فنزَلَ قولُه تعالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]، أي: ليس لكَ من أمرِ النَّاسِ شيءٌ، وإنَّما أمْرُهم إلى اللهِ وَحْدَه، وهو تعالَى يَرحَمُ مَن يَشاءُ، ويُعذِّبُ مَن يَشاءُ، وهذا كلُّه بيَدِه سُبحانَه وَحْدَه.
فلمَّا نزَلَتْ هذه الآيةُ عَلِمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ قدْ يَهْدي هؤلاء إلى الإسْلامِ، وهو ما حدَثَ بعْدَ ذلك؛ فهؤلاء الثَّلاثةُ المَذْكورونَ قد أسْلَموا، فأمَّا صَفْوانُ بنُ أُميَّةَ فإنَّه هرَبَ يومَ الفَتحِ، ثمَّ رجَعَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فشهِدَ معَه حُنَيْنًا، وَالطَّائفَ وهو كافرٌ، واسْتَعارَ منه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سِلاحًا يومَ حُنَينٍ، ثمَّ أسلَمَ بعْدَ ذلك، وشهِدَ اليَرْموكَ، وكان أميرًا على بعضِ الكَراديسِ يومَئذٍ، وماتَ بمكَّةَ أيَّامَ قَتلِ عُثمانَ، وقيلَ: مات سَنةَ (41) أو (42 هـ) ، في أوائلِ خِلافةِ مُعاويةَ.
وأمَّا سُهَيلُ بنُ عَمْرٍو فإنَّه كان أحَدَ الأشْرافِ مِن قُرَيشٍ وساداتِهم في الجاهليَّةِ، وأُسِرَ يومَ بَدرٍ كافرًا، ثمَّ أسلَمَ، وحَسُنَ إسْلامُه، وكان كَثيرَ الصَّلاةِ، والصَّومِ، والصَّدَقةِ، وخرَجَ إلى الشَّامِ مُجاهدًا، وماتَ هناك سَنةَ (15 هـ).
وأمَّا الحارثُ بنُ هِشامٍ فإنَّه أسلَمَ يومَ الفَتحِ، وحَسُنَ إسْلامُه، وهو الَّذي أجارَتْه أُمُّ هَانئٍ بِنتُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنها، وأجازَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جِوارَها، وكان مِن فُضَلاءِ الصَّحابةِ وخِيارِهم، ثمَّ خرَجَ إلى الشَّامِ مُجاهدًا، ولم يزَلْ في الجِهادِ حتَّى ماتَ سَنةَ ثَمانيَ عَشْرةَ مِن الهِجْرةِ.
ولم يكُنْ دَأبُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الدُّعاءَ على المُشرِكينَ في كلِّ حالٍ؛ بل كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غايةِ الرَّحمةِ بهم، والإشْفاقِ عليهم، ولكنْ كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تارةً يَدْعو عليهم حينَ تَشتَدُّ شَوْكَتُهم، ويَكثُرُ أذاهم، ويَدْعو لهم بالهِدايةِ حيث تُؤمَنُ غائلَتُهم، ويُرْجى تألُّفُهم ودُخولُهم في الإسْلامِ.
وفي الحَديثِ: عدَمُ اليأْسِ من هِدايةِ الكافِرِ والعاصي، وطلَبُ الهِدايةِ له منَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: بَيانُ أنَّ قلوبَ العِبادِ في يَدِ اللهِ يُقلِّبُها ويُصرِّفُها كيف يَشاءُ.