باب يرد المصلي من مر بين يديه
بطاقات دعوية
عن أبي صالح السمّانِ قال: رأيت أبا سعيدٍ الخدري في يومِ جمعةٍ يصَلي إلى شيءٍ يستُرُه من الناس، فأرادَ شابٌّ من بَني أبي مُعيْطٍ أن يجتازَ بينَ يديهِ، فدفَعَ أبو سعيدٍ في صَدْرهِ، فنظَر الشابُّ فلَم يَجدْ مَساغاً إلا بينَ يديهِ، فعادَ لِيجتازَ، فدفَعَه أبو سعيدٍ أَشدَّ من الأُولى، فنالَ من أبي سعيدٍ، ثم دخلَ على مروانَ، فشَكا إليه ما لَقيَ من أبي سعيدٍ، ودخلَ أبو سعيدٍ خلفَه على مروانَ، فقالَ: مالَكَ ولاِبنِ أخيكَ يا أبا سعيدٍ؟ قالَ: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ:
" إذا صلى أحدُكم إلى شيءٍ يستُرُهُ منَ الناسِ فأرادَ أحدٌ أنْ يجتازَ بينَ يديهِ فلْيدفَعْهُ، (وفي روايةٍ: إذا مرَّ بين يدي أحدكم شيء وهو يصلي، فليمنَعْهُ، فإن أبى فَلْيَمْنَعْهُ)، فإنْ أبي فلْيقاتِلْهُ، فإنما هو شيْطانٌ".
الصَّلاةُ صِلةٌ بيْن العَبدِ ورَبِّه؛ يَقِفُ فيها المُصَلِّي مُناجيًا رَبَّه وهو مُتوَجِّهٌ إليه، وقد أمَرَ الشَّرعُ بالخُشوعِ فيها وعَدَمِ الانشِغالِ، ووَضَعَ ضَوابِطَ ذلك لِلمُصَلِّي، ولِمَن هو خارِجَ الصَّلاةِ؛ حتَّى لا تَنقَطِعَ الصَّلاةُ، أو يَنقَطِعَ الخُشوعُ بفِعلِ أيٍّ منهما.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابِعيُّ أبو صالِحٍ السَّمَّانُ أنَّ أبا سَعيدٍ الخُدريَّ رَضيَ اللهُ عنه كان يُصَلِّي في يَومِ جُمُعةٍ إلى سُترةٍ تَحولُ بيْنه وبيْنَ المارَّةِ، فأرادَ شابٌّ مِن بَني أبي مُعَيْطٍ أنْ يَمُرَّ أمامَه بيْنه وبيْنَ سُترَتِه في الصَّلاةِ، فدَفَعَه أبو سَعيدٍ بيَدِه في صَدرِه؛ لِيَرُدَّه عنِ المُرورِ بيْن يَدَيْه، ولكِنْ لم يَجِدْ هذا الشَّابُّ طَريقًا آخَرَ يُمكِنُه المُرورُ منها غَيرَ هذه الطَّريقِ التي بيْن يَدَيْ أبي سَعيدٍ، فعادَ لِيَمُرَّ مَرَّةً أُخرى، فدَفَعَه أبو سَعيدٍ دَفعةً أشَدَّ مِنَ الأُولى، فغَضِبَ ذلك الشَّابُّ مِن أبي سَعيدٍ رَضيَ اللهُ عنه، وسَبَّه، وشَتَمَه، ثم دَخَلَ الشَّابُّ على مَرْوانَ بنِ الحَكَمِ الأُمَويِّ والي المَدينةِ آنَذاكَ، فشَكا إليه ما فَعَلَه معه أبو سَعيدٍ، وكيف أنَّه دَفَعَه في صَدْرِه وأوجَعَه، ودَخَلَ أبو سَعيدٍ خَلفَه على مَرْوانَ، فقال مَرْوانُ لِأبي سَعيدٍ: ما لَكَ ولِابنِ أخيكَ؟ -أيْ: في الإسلامِ- وما الذي جَرى بيْنكَ وبيْنه؟ ولِماذا عامَلتَه هذه المُعامَلةَ الشَّديدةَ؟ فأجابَه أبو سَعيدٍ بأنَّه سَمِعَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: إذا صَلَّى أحَدُكم إلى شَيءٍ يَستُرُه؛ مِن جِدارٍ ونَحوِه، فأرادَ أحَدٌ الاجتيازَ والمُرورَ بيْن يَدَيْه، فلْيَدفَعْه، فإنْ أبَى وامتَنَعَ، فلْيُقاتِلْه، أيْ: فإنَّه مأْمورٌ شَرعًا بدَفعِه ومَنعِه، فيَرُدُّه رَدًّا لَطيفًا، فإنْ لم يَمتَنِعْ فإنَّه يَدفَعُه بأشَدَّ منه، وهكذا؛ إذْ ليس مَعناه المُقاتَلةَ الحَقيقيَّةَ. ثم بَيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ ذلك المارَّ إنَّما هو شَيطانٌ مِن شَياطينِ الإنسِ، وفِعلُه فِعلُ شَيطانٍ، وإنَّما نُسِبَ إلى الشَّيطانِ؛ لِأنَّ قَطَعَ العِبادةِ وإبطالَها مِن أعمالِ الشَّيطانِ.وفي الحَديثِ: الأمْرُ باتِّخاذِ سُترةٍ وحائِلٍ أمامَ المُصَلِّي؛ لِيَمنَعَ المُرورَ مِن أمامِه.وفيه: دَليلٌ على دَفْعِ المارِّ بيْن المُصَلِّي وبيْنَ سُترَتِه، وإنِ ازدَحَم النَّاسُ، ولم يَجِدِ المارُّ سَبيلًا سِوى ذلك.وفيه: أنَّ المارَّ مِن أمامِ المُصَلِّي هو بمَنزِلةِ شَيطانٍ.