بقية حديث عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم 13
مستند احمد
حدثنا أبو سعيد، مولى بني هاشم، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر يعني المخرمي قال: حدثنا يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن بسر بن سعيد، عن أبي قيس، مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «القرآن نزل على سبعة أحرف، على أي حرف قرأتم، فقد أصبتم، فلا [ص:354] تتماروا فيه، فإن المراء فيه كفر»
نزَل القُرآنُ على سَبعةِ أحرُفٍ؛ للتَّيْسيرِ على النَّاسِ، ومِن هذه القِراءاتِ ما يَقتَصِرُ على التَّوضِيحِ والتَّفْسيرِ، وكلُّ ذلك بيانٌ لعَظَمةِ اللهِ سُبحانَه وتَعالَى وتَيسيرًا على المُسلِمينَ
وفي هذا الحَديثِ يقولُ التابِعيُّ أبو قَيْسٍ مَوْلى عَمرِو بنِ العاصِ: "سمِعَ عَمْرُو بنُ العاصِ رجُلًا يَقرَأُ آيةً منَ القُرآنِ"، والظاهرُ أنَّه سمِعَه يَقرَؤُها بقِراءةٍ غَيرِ التي يَعرِفُها، "فقال: مَن أقْرَأَكَها؟" علَّمَكَ قِراءَتَها هكذا، وهذا منَ التَّشديدِ الذي عُرِفَ به الصحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم في حِفْظِهم لكِتابِ اللهِ وسُنَّةِ نَبيِّهم منَ التحْريفِ والتزْييفِ، "قال الرجُلُ لعَمْرٍو: رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: هو الذي علَّمَني هذه القِراءةَ، "قال عَمْرٌو مُستَنكِرًا: فقد أقْرَأَنيها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على غَيرِ هذا، فذَهَبا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال أحَدُهما: يا رسولَ اللهِ، آيةُ كذا وكذا، ثم قَرَأَها، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هكذا أُنزِلَت، فقال الآخَرُ: يا رسولَ اللهِ، فقرَأَها على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقال: أليس هكذا يا رسولَ اللهِ؟ قال: هكذا أُنزِلَتْ" أقرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كلَّ واحدٍ منهم على قِراءتِه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ هذا القُرآنَ أُنزِلَ على سَبْعةِ أحْرُفٍ" على سَبْعةِ أوْجُهٍ، وسَبعِ لهَجاتٍ. وقيلَ: أيْ: سَبْعةِ قِراءاتٍ. وقيلَ: أيْ: سَبْعةِ أحْكامٍ، أو عَلى سَبْعِ لُغاتٍ، فَيَقرأُ كُلٌّ بما يُناسِبُه، ويَسهُلُ عليه؛ فأيُّ وَجهٍ قرَأَ به، وأيُّ لَهْجةٍ تيَسَّرَتْ للقارئِ فهي مَقْبولةٌ -إنْ شاء اللهُ- تَيْسيرًا وتَخْفيفًا على أُمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وليس المرادُ أنَّ كُلَّ كلمةٍ وكلَّ جُمْلةٍ مِنَ القُرآنِ تُقرَأُ على سَبْعةِ أوْجُهٍ، بلِ المُرادُ أنَّ غايةَ ما انْتَهى إليه عدَدُ القِراءاتِ في الكلمةِ الواحِدةِ سَبْعةُ أوْجُهٍ، فإنْ قيلَ: فإنَّا نَجِدُ بعضَ الكَلِماتِ يُقرَأُ على أكثَرَ مِن سَبْعةِ أوجُهٍ، فالجَوابُ: أنَّ غالِبَ ذلك إمَّا لا يُثبِتُ الزِّيادةَ، وإمَّا أنْ يَكونَ مِن قَبيلِ الاختِلافِ في كَيفيَّةِ الأداءِ كما في المَدِّ والإمالةِ ونَحْوِهما. وقيلَ: ليس المُرادُ بالسَّبْعةِ حَقيقةَ العَدَدِ، بلِ المُرادُ التَّسهيلُ والتَّيْسيرُ
"فأيَّ ذلك قَرَأْتُم فقد أصَبْتُم"، فأيُّما حَرفٍ قَرَؤوا عليه، فَقدْ وافَقُوا الصَّوابَ، "ولا تَمارَوْا فيه"، ولا تُجادِلوا فيه، "فإنَّ المِراءَ فيه كُفرٌ" صريحٌ، "أو آيةُ الكُفرِ"، أو عَلامةٌ على الكُفرِ، وهو الجِدالُ الَّذي يُريدُ به صاحبُه تَكذيبَ القُرآنِ، وليس الَّذي يَبحَثُ فيه عن مَعانيه وأحْكامِه وأسْرارِه؛ فإنَّ مَن جادَلَ فيه بالباطلِ؛ ليَرميَ بعضَه ببعضٍ، ويَطعَنَ فيه، ويُشكِّكَ فيه فقدْ كَفَرَ، وهذا بيانُ خُطورةِ الجِدالِ في القُرآنِ