تغريب شارب الخمر 12
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، عن أبي جمرة قال: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر، «فنهى عنه» قلت: يا أبا عباس إني أنتبذ في جرة خضراء، نبيذا حلوا، فأشرب منه فيقرقر بطني، قال: «لا تشرب منه وإن كان أحلى من العسل»
كان التَّابعونَ رحِمَهم اللهُ تعالى يَحرِصونَ كلَّ الحرصِ على تلقِّي العلمِ وسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن صَحابتِه رَضِي اللهُ عَنهم
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ جَوْشَنٍ الغَطَفانيُّ: "قال رجلٌ لابنِ عبَّاسٍ"، أي: يَسْتفتيه: "إنِّي امرُؤٌ"، أي: رجُلٌ "مِن أهلِ خُراسانَ"، وخُراسانُ: بلدةٌ مِن بلادِ العجَمِ شَرْقَ العراقِ، "وإنَّ أرضَنا أرضٌ باردةٌ"، أي: ذاتُ بَردٍ شديدٍ، "وإنَّا نتَّخِذُ شرابًا نشرَبُه"، أي: ونستدفِئُ لتلك البُرودةِ بأنواعٍ مِن الأشربةِ، "مِن الزَّبيبِ" وهو العِنَبُ المجفَّفُ، "والعِنَبِ"، أي: وقبل أن يُجفَّفَ، "وغيرِه"، أي: ومِن أنواعٍ أخرى، "وقد أشكَلَ علَيَّ"، أي: اشتَبَهَ والْتبَسَ علَيَّ حُكمُ شُربِها وما يَحِلُّ أو يَحرُمُ منها، قال عبدُ الرَّحمنِ: "فذكَر"، أي: الرَّجلُ الَّذي مِن أهلِ خُراسانَ، "له"، أي: لابنِ عبَّاسٍ، "ضُروبًا مِن الأشربةِ"، أي: أنواعًا كثيرةً ممَّا يصنَعونَه في بلادِهم، "فأكثَرَ"، أي: بالَغَ في ذِكرِ وتفصيلِ تلك الأنواعِ لابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما، "حتَّى ظنَنْتُ أنَّه لم يفهَمْه"، أي: حتَّى ظنَّ عبدُ الرَّحمنِ في نفسِه أنَّ الرَّجلَ بتفصيلِه لابنِ عبَّاسٍ لم يُفهِمْه مرادَه، فقال عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما للرَّجلِ: "إنَّكَ قد أكثَرْتَ علَيَّ"، أي: بتفصيلِكَ في أنواعِ الأشربةِ، "اجتنِبْ"، أي: اترُكْ ولا تقترِبْ، "ما أسكَرَ"، أي: كلَّ ما يُذهِبُ العَقلَ، سواءٌ كان هذا الشَّرابُ مصنوعًا "مِن تمرٍ، أو زَبيبٍ، أو غيرِه"، أي: إنَّ ضابطَ ما يَحِلُّ مِن الأشربةِ وما يحرُمُ هو بلوغُه درجةَ الإسكارِ وذَهابِ العقلِ، لا نوعٌ بعينِه؛ لأنَّ الشَّرابَ إذا أسكَرَ صار خمرًا، وإن تغيَّرَ اسمُه فلا يتغيَّرُ حُكمُه
وفي الحديثِ: أنَّ كلَّ ما أسكَرَ فهو خَمرٌ
وفيه: أنَّ العِبرةَ بما يَؤُولُ إليه الشَّيءُ
وفيه: أنَّ اختصارَ الإجابةِ أحيانًا أفضلُ مِن التَّوسُّعِ والبَسْطِ