حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه 48
مسند احمد
حدثنا عارم، وعفان، قالا: حدثنا مهدي بن ميمون، عن واصل، مولى أبي عيينة، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود الديلي، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، وكل تسبيحة صدقة، وتهليلة صدقة، وتكبيرة صدقة، وتحميدة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ أحدكم من ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى " (1)
جعَلَ اللهُ كُلَّ أنْواعِ الخَيرِ الَّذي يَبذُلُه الإنْسانُ في حَقِّ نَفْسِه بالعِبادةِ، وفي حَقِّ غَيرِه بالمَعروفِ: مِن صَدَقاتِ البَدَنِ وما يَتمتَّعُ به مِنَ الصِّحَّةِ والعافيةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يُصبِحُ عَلى كُلِّ سُلامَى»، أيْ: على جَميعِ أعْضاءِ البَدنِ ومَفاصِلِه، وأصْلُ السُّلامَى -بضَمِّ السِّينِ- عِظامُ الأصابعِ والأكُفِّ والأرجُلِ، ثُمَّ استُعمِلَ في سائِرِ الأعْضاءِ. فإذا أصبَحَ الإنْسانُ كلَّ يومٍ، فعليه أنْ يَتصدَّقَ عَن كُلِّ عُضوٍ مِن أعْضائِه شُكرًا للهِ تَعالى عَلى عَظيمِ مِنَّتهِ، فتَركيبُ هذه العِظامِ ومَفاصِلِها مِن أعظَمِ نِعَمِ اللهِ على عَبْدِه، فيَحتاجُ كُلُّ عَظمٍ منها إلى صَدَقةٍ يَتصَدَّقُ بها ابنُ آدَمَ عنه؛ لِيَكونَ ذلك شُكرًا لِهذه النِّعمةِ، والمُرادُ صَدَقةُ نَدْبٍ وتَرغيبٍ، لا إيجابٍ وإلزامٍ؛ فإنَّه يَكْفي في شُكرِ هذه النِّعَمِ أنْ يَأتيَ بالواجِباتِ، ويَجتَنِبَ المُحَرَّماتِ، ثمَّ أرشَدَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِبَعضِ وُجوهِ الطَّاعاتِ الَّتي يَتصَدَّقُ بها الإنْسانُ عَن مَفاصِلِه، فـ«كلُّ تَسبيحَةٍ»، وهو قولُ: سُبحانَ اللهِ، «صَدَقةٌ»، «وَكُلُّ تَحْميدةٍ»، وهو قولُ: الحَمدُ للهِ «صَدَقةٌ»، «وَكُلُّ تَهْليلةٍ» وهو قولُ: لا إلَهَ إلَّا اللهُ، «صَدَقةٌ»، «وَكُلُّ تَكْبيرةٍ» وهو قولُ: اللهُ أكبَرُ، «صَدَقةٌ»، «وأمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقةٌ، ونَهيٌ عَنِ المُنكَرِ صَدَقةٌ»، وكَذا سائِرُ الأذْكارِ وباقي العِباداتِ صَدَقاتٌ عَلى نَفْسِ الذَّاكرِ، والمعروفُ: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما عُرِفَ مِن طاعةِ اللهِ تعالَى، والإحْسانِ إلى النَّاسِ. والمنكَرُ: هو كلُّ ما قَبُحَ مِنَ الأفْعالِ والأقْوالِ وأدَّى إلى مَعْصيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وهو اسمٌ شاملٌ لجميعِ أبْوابِ الشَّرِّ، فمَن فعَلَ الخَيراتِ المَذكورةَ ونحوَها بِعدَدِ تلكَ السِّتِّينَ والثَّلاثِ مائةٍ مِنَ السُّلامَى، وهيَ المَفاصلُ.
ثُمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما يُجزئُ عن ذلك كلِّه، وهما «رَكْعَتانِ يَركَعُهُما مِنَ الضُّحى»؛ لأنَّ الصَّلاةَ عَملٌ بجَميعِ أعْضاءِ البَدنِ، وتَشمَلُ جَميعَ ما ذُكِرَ مِنَ الصَّدقاتِ وَغيرِها، وهذا بَيانٌ لعِظَمِ فَضلِ صَلاةِ الضُّحى، ووقْتُ صَلاةِ الضُّحى بعدَ شُروقِ الشَّمسِ بمِقْدارِ رُبعِ ساعةٍ بعدَ الشُّروقِ، ويَمتدُّ وَقتُها إلى ما قبلَ الظُّهْرِ برُبعِ ساعةٍ أيضًا، وأقلُّ عدَدٍ لصَلاةِ الضُّحَى رَكعتانِ، وأكثرُه ثَمانِي رَكَعاتٍ؛ لِمَا في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ أُمِّ هانئٍ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها ذَكَرتْ: «أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ فَتْحِ مكَّةَ اغتَسَلَ في بَيتِها، فصلَّى ثَمانيَ رَكَعاتٍ» وقيلَ: إنَّه لا حَدَّ لأكْثرِها؛ للحَديثِ الَّذي أخرَجَه مُسلمٌ عن عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، قالت: «كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصلِّي الضُّحَى أربعًا، ويَزيدُ ما شاءَ اللهُ».