حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه 49
مسند احمد
حدثنا أبو عامر، حدثنا شعبة، عن بديل بن ميسرة، قال: سمعت أبا العالية البراء، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب فخذه وقال له: "كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة " ثم قال: "صل الصلاة لوقتها، ثم انهض، فإن كنت في المسجد حتى تقام الصلاة، فصل معهم " (1)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُوصِي أصحابَه، ويُعلِّمُهم مِن أُمورِ دِينِهم ما يَفوزونَ به في الآخِرةِ، وكذلك يَنصَحُهم في أُمورِ الدُّنيا بما يَضمَنُ لهمُ السَّلامةَ والنَّجاةَ في الحياةِ الدُّنيا.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو العاليةِ البَراءُ أنَّ ابنَ زِيادٍ -والمَقصودُ به عُبَيدُ اللهِ بنُ زيادٍ، وكان أميرًا لِلبَصرةِ مِن قِبَلِ مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ- أخَّرَ الصَّلاةَ المَفروضةَ عن وَقتِها المَعهودِ، وعن أوَّلِ وَقتِها، "فأتاني عَبدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ" الغِفاريُّ البَصريُّ "فألقَيتُ له كُرسيًّا"، أي: وَضَعتُ له كُرسيًّا ليَجلِسَ عليه، وهذا مِن أدَبِ استِقبالِ الضَّيفِ، "فجَلَسَ عليه، فذَكَرتُ له صَنيعَ ابنِ زيادٍ" مِن تأخيرِه لِلصَّلاةِ، "فعَضَّ على شَفَتِه" غَيظًا وغَضَبًا وتأسُّفًا على صَنيعِه، "ثم ضَرَبَ بيَدِه على فَخِذي" وهذا مِنَ التَّحذيرِ له، وإظهارِ الغَضَبِ، ولِيُنبِّهَه على استِماعِ ما يَقولُ، "وقال: إنِّي سألتُ أبا ذَرٍّ" عنِ الأُمراءِ الذين يُؤخِّرونَ الصَّلاةَ كما سألتَني، "فضَرَبَ فَخِذي كما ضَرَبتُ فَخِذَكَ، فقال: إنِّي سألتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كما سألتَني، وضَرَبَ فَخِذي كما ضَرَبتُ فَخِذَكَ، فقال: صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقتِها" أمَرَه أنْ يُصلِّيَ كُلَّ صَلاةٍ مِنَ الصَّلواتِ الخَمسِ في وَقتِها، وهذا أمْرٌ بالصَّلاةِ على وَقتِها دونَ تَقييدِ الأمْرِ بالجَماعةِ؛ لِأنَّه أخبَرَه -كما في رِوايةٍ أُخرى- أنَّه سيُدرِكُ أُمراءَ يُؤخِّرونَ الصَّلاةَ عن وَقتِها، ثمَّ أوضَحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أهمِّيَّةَ الاجتِماعِ مع النَّاسِ في المَسجِدِ لِلصَّلاةِ، "فإنْ أدرَكتَ معهم فصَلِّ ولا تَقُلْ: إنِّي قد صَلَّيتُ، فلا أُصلِّي" بمَعنى: إنْ وَجَدتَهم لم يُصلُّوا، فصَلِّ معهم ولا تَقُلْ: إنِّي قد سَبَقتُ وصَلَّيتُ الصَّلاةَ في أوَّلِ وَقتِها، فإذا صَلَّيتَ معهم مَرَّةً أُخرى كانت لكَ تلك الصَّلاةُ الثَّانيةُ نافِلةً. وهذا تَوجيهٌ نَبويٌّ لِلمُسلِمينَ في مِثلِ هذه الأزمانِ أنْ يُصلُّوا الصَّلاةَ في أوَّلِ وَقتِها مع أنفُسِهم، أو في بُيوتِهم، ولا يُظهِروا ذلك، ثم يُصلُّوا مع الأُمَراءِ في الوقتِ المتأخِّرِ الذي يُصلُّونَ فيه الجَماعةَ، أو يأمُرونَ بالصَّلاةِ فيه؛ حتى لا تُشَقَّ عَصا المُسلِمينَ بإظهارِ مُخالَفةِ الأمراءِ وعَدَمِ الصَّلاةِ معهم؛ لِأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في رِوايةٍ أُخرى أمَرَ بطاعَتِهم ما أقاموا الصَّلاةَ. وفي الحَديثِ: الحَثُّ على الصَّلاةِ في أوَّلِ وَقتِها في وَقتِ الفِتنِ. وفيه: المُحافَظةُ على وَحدةِ الصَّفِّ، وفيه: عَدَمُ إظهارِ مُخالَفةِ وُلاةِ الأمْرِ ما أمكَنَ ذلك.