حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه1
مسند احمد
حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، قال: سمعت الأعمش، يحدث عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن حبيب بن حماز (1) ، عن أبي ذر، قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا ذا الحليفة، فتعجلت رجال إلى المدينة، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبتنا معه، فلما أصبح سأل عنهم، فقيل: تعجلوا إلى المدينة، فقال: "تعجلوا إلى المدينة والنساء أما إنهم سيدعونها أحسن ما كانت " ثم قال: "ليت شعري متى تخرج نار من اليمن من جبل الوراق، تضيء منها أعناق الإبل بروكا ببصرى كضوء النهار " (2)
جَعَلَ اللهُ سُبحانَه بيْن يَدَيِ السَّاعةِ عَلاماتٍ وأماراتٍ؛ لِيَتذكَّرَ النَّاسِي، ويَهتدِيَ الضَّالُّ، ويَتَّعظَ الغافلُ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن عَلامةٍ مِن عَلاماتِ السَّاعةِ، ويُؤكِّدُ أنَّها لا تَقُومُ حتَّى تَتفجَّرَ نارٌ وتَخرُجُ مِن أرضِ الحِجازِ، وهي مِنطَقةٌ تاريخيَّةٌ تقع في الجزءِ الشَّماليِّ الغَربيِّ من شِبهِ الجَزيرةِ العَرَبيَّةِ، وقيل: تَخرُجُ هذه النَّارُ مِنَ المدينةِ المُنوَّرةِ بالذَّاتِ؛ لأنها جزءٌ مِنَ الحِجازِ، «تُضيءُ أعناقَ الإبلِ بِبُصْرَى»، أي: تَعلو النَّارُ وتُضيءُ الجوَّ، ومن شِدَّةِ النَّارِ واشتِعالِها يَبلُغُ ضَوءُها مِن أرضِ الحجازِ فتُضيءُ رِقابَ الإبلِ الَّتي تَكُونُ بِبُصْرَى، فتَجْعَلُ على أعناقِهَا ضَوءًا، تَظْهَرُ به في سَوادِ اللَّيلِ، وبُصْرَى: مَدينةٌ بالشَّامِ، وهي مَدينةُ حَوْرَانَ، بيْنها وبيْن دِمَشْقَ حَوالي (120كيلومترًا)، وقِيلَ: هي مَدينةُ البَصرةِ التي تقَعُ جَنوبَ العِراقِ.
وقد ظهرت هذه النَّارُ في مُنتَصَفِ القَرنِ السَّابعِ الهِجريِّ في عامِ أربعٍ وخمسينَ وسِتِّمائةٍ، وكانت نارًا عظيمةً خرَجَتْ مِنَ الحِجازِ، بِقُرْبِ المدينةِ، مِن جانبِ المدينةِ الشَّرقيِّ، وَتَوَاتَرَ العِلْمُ بها عندَ جَميعِ أهلِ الشَّامِ، وسائرِ البُلدانِ، فَسَطَعَتْ، واشْتَعَلَتْ، حتَّى أحْرَقَتْ أكْثَرَ بُنيانِ المدينةِ، وَرَآهَا كُلُّ مَن حَوْلَ المدينةِ، وَلَبِثَتْ نَحْوًا مِن خَمسين يومًا، تَتَّقِدُ، وتَرمي بالأحجارِ المُحْمَاةِ المُجْمَرَةِ مِن بَطْنِ الأرضِ.
وفي الحَديثِ: علامةٌ مِن عَلاماتِ نبُوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.