حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه20
مسند احمد
حدثنا سفيان، قال: سمعناه، من اثنين وثلاثة، حدثنا حكيم بن جبير، عن موسى بن طلحة، عن ابن الحوتكية، قال عمر: من حاضرنا يوم القاحة؟ فقال أبو ذر: أنا، " أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام البيض الغر: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة " (1)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُعلِّمُ أصحابَه وأُمَّتَه أمورَ الدِّين بالقولِ والفِعل، ويوضِّح الأحكامَ فيما يَعرِضُ من مَسائِلَ وأحوال، وفي هذا الحديثِ بيانُ حِلِّ أكْلِ الأرنبِ وكذلك الترغيبُ في صِيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ مِن أوسطِ كلِّ شهرٍ، وفيه يقولُ يَزيدُ بنُ الحَوْتَكيَّةِ التَّميميُّ: "قال عُمرُ رضي اللهُ عنه: مَن حاضَرَنا يومَ القاحَةِ؟ "، أي: مَن حضَر معَنا اليومَ الَّذي نزَل فيه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم القاحةَ؟ وهو موضعٌ بينَ مكَّةَ والمدينةِ، وسَببُ قولِ عمرَ ذلك: أنَّه قد سُئِلَ عن حُكمِ أكْلِ الأرنبِ؛ فبَيَّن فيها حُكمَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مع طلَبِ التَّثبُّتِ ممَّن حضَر معه القصَّةَ، فقال أبو ذَرٍّ رَضِي اللهُ عَنه: "أنا"، أي: إنَّه كان معَهم في ذلك اليومِ، قال أبو ذرٍّ رَضِي اللهُ عَنه: "أُتِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بأرنَبٍ"، أي: أُهْدِي إليه، "فقال الرَّجلُ الَّذي جاء بها"، أي: الَّذي أهدى بها رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنِّي رَأيتُها تَدْمَى"، أي: تَحيضُ، "فكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لم يأكُلْ"، أي: إنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم استعدَّ للأكلِ منها، فلمَّا أخبَر الرَّجلُ بقولِه امتنَع عن أكلِها، "ثمَّ إنَّه قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأصحابِه رَضِي اللهُ عَنهم: "كُلوا"، أي: مِن الأرنبِ، فأباحَ لأصحابِه الأكْلَ منها أمامَه وإنْ لم يأكُلْ هو مِنه. فقال رجلٌ: "إنِّي صائمٌ"، أي: امتنَع عن الأكلِ لصومِه، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "وما صَومُك؟ "، أي: ما سَببُ صِيامِك لهذا اليومِ؟ قال الرَّجلُ: "مِن كلِّ شَهرٍ ثلاثةُ أيَّامٍ"، أي: إنَّ له وِرْدًا لصيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ مِن كلِّ شهرٍ، ووافقَ هذا اليومُ يومَ وِرْدِه، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فأين أنتَ عن البيضِ الغُرِّ: ثَلاثَ عَشْرةَ، وأربعَ عَشْرةَ، وخمسَ عشرةَ؟ "، أي: يُرشِدُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلى أن يُحوِّلَ وِردَه إلى الأيَّامِ البِيضِ؛ لِمَا فيها مِن عَظيمِ فضلٍ. والغُرَّةُ: تُطلَقُ على أوَّلِ الشَّيءِ، وكذلك البياضُ منها، والمرادُ هنا كما بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم هي الثَّلاثةُ أيَّامٍ الَّتي يَكتَمِلُ فيها القَمرُ. ... وقد ثبَت في الصَّحيحين أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان قد أكَل الأرنبَ؛ فعن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِي اللهُ عَنه، قال: أنفَجْنا أرنَبًا بمَرِّ الظَّهرانِ، فسعَوا عليها حتَّى لَغِبوا، فسَعيتُ عليها حتَّى أخذتُها، فجِئتُ بها إلى أبي طَلحةَ، فبعَث إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بوَرِكَيها أو فَخِذَيها فقَبِلَه.