حديث رافع بن خديج 6
مستند احمد
حدثنا هاشم بن القاسم، قال: حدثنا عكرمة، عن أبي النجاشي، مولى رافع بن خديج، قال: سألت رافعا عن كراء الأرض، قلت: إن لي أرضا أكريها؟ [ص:504] فقال رافع: لا تكرها بشيء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يزرعها فليزرعها أخاه، فإن لم يفعل فليدعها» قلت له: أرأيت إن تركته وأرضي، فإن زرعها، ثم بعث إلي من التبن؟ قال: «لا تأخذ منها شيئا ولا تبنا» قلت: إني لم أشارطه، إنما أهدى إلي شيئا؟ قال: «لا تأخذ منه شيئا»
كِراءُ المَزارعِ: هو أخْذُ نَصيبٍ مِنَ الثَّمرِ في مُقابلِ إعطاءِ الأرضِ وإجارتِها للِزِّراعةِ، وقد كان عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما -كما في هذا الحديثِ- يُكرِي مَزارعَه على عهْدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأبي بكرٍ، وعُمرَ، وعُثمانَ، وصَدْرًا مِن إمارةِ مُعاويةَ، أي: ووَقْتًا مِن أوَّلَ إمارةِ مَعاويةِ، فسَمِعَ ابنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رافعَ بنَ خَديجٍ رَضيَ اللهُ عنه يُحدِّثُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عَن كِراءِ المَزارعِ، فذَهَبَ إليه عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما وسَأَلَه عَن ذلك، وذهَبَ معه مَولاهُ نافعٌ، فأخبَرَه رافعٌ رَضيَ اللهُ عنه بنَهْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَن كِراءِ المَزارعِ، فقال له عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما: إنَّك تَعلَمُ -يا رافعُ- أنَّا كنَّا نُكري المَزارعَ على عهْدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الأربِعاءِ، وهو جمْعُ رَبيعٍ، وهو النَّهرُ الصَّغيرُ، أي: على ما يَخرُجُ على جَوانبِ الأنهارِ الصَّغيرةِ في الأرضِ ووسَطِها، وفي مُقابلِ التِّبنِ، وهو سِيقانُ الزَّرْعِ بعْدَ حَصادِه، أي: إنَّ نَهْيَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان عَن هذا النَّوعِ مِنَ الكِراءِ، وليس عَن كلِّ أنواعِ الكِراءِ؛ وذلك أنَّ هذا النَّوعَ فيه شَرْطٌ فاسدٌ وجَهالةٌ، وقد يَسلَمُ زَرْعٌ، ويُصيبُ غيرَه آفةٌ، أو بِالعكِس، فَتقعُ المُزارَعةُ ويَبْقى المُزارِعُ أو رَبُّ الأرضِ بلا شَيءٍ
وهذا الحديثُ يدُلُّ على أنَّ الَّذي نَهى عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان أمرًا بيِّنَ الفسادِ، وهي المُزارَعةُ الظالمةُ الجائرةُ، فلذلك زَجَرَ عنها، وأمَّا بشَيءٍ مَعلومٍ مَضمونٍ بالدِّينارِ والدِّرهمِ فلا شَيءَ فيه، كما ورَدَ في الأحاديثِ والرِّواياتِ
ولا يُخالِفُ ذلك ما صالَحَ عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَهودَ خَيْبرَ على أنْ يَزْرَعوا الأرضَ ولهم النِّصْفُ، وللنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النِّصْفُ، وظَلَّ العملُ به إلى مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبه عَمِلَ الخُلفاءُ الرَّاشدون مِنْ بَعْدِه؛ فالمُزارَعةُ على جُزءٍ مِن الثَّمَرِ غيرُ المُزارَعةِ والمُؤاجَرةِ على تَخصيصِ أرضٍ بما تُنبِتُه
وفي الحديثِ: فَضيلةُ ابنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما، وحِرصُه على تَعلُّمِ السُّننِ، وعِلمُه وفِقهُه