حديث أبي ريحانة 4

مستند احمد

حديث أبي ريحانة 4

 حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثني عبد الرحمن بن شريح، قال: سمعت محمد بن سمير الرعيني، يقول: سمعت أبا عامر التجيبي، قال أبي: " وقال غيره يعني غير زيد: أبو علي الجنبي " يقول: سمعت أبا ريحانة، يقول: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة [ص:446]، فأتينا ذات ليلة إلى شرف، فبتنا عليه، فأصابنا برد شديد حتى رأيت من يحفر في الأرض حفرة يدخل فيها، ويلقي عليه الحجفة - يعني الترس - فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس نادى: «من يحرسنا في هذه الليلة، وأدعو له بدعاء يكون فيه فضل؟» فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فقال: «ادنه» ، فدنا، فقال: «من أنت؟» فتسمى له الأنصاري، ففتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء، فأكثر منه. قال أبو ريحانة: فلما سمعت ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أنا رجل آخر، فقال: «ادنه» فدنوت، فقال: «من أنت؟» قال: فقلت: أنا أبو ريحانة، فدعا بدعاء هو دون ما دعا للأنصاري، ثم قال: «حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله، وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله» وقال: حرمت النار على عين أخرى ثالثة، لم يسمعها محمد بن سمير [ص:448] قال عبد الله قال أبي " وقال غيره يعني غير زيد: أبو علي الجنبي "

في هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "عَينانِ لا تمَسُّهما النَّارُ"، أي: نَوعانِ مِن النَّاسِ لا يَدخُلون النَّارَ، وعبَّر بالعينِ إشارةً إلى أنَّ غيرَها مِن أعضاءِ الجسَدِ أولى مِن ألَّا تُعذَّبَ بالنَّارِ؛ وخَصَّها هنا بالذِّكرِ لأنَّ العمَلَ الظَّاهِرَ يَصدُرُ عنها: "عينٌ بكَتْ مِن خشيةِ اللهِ"، أي: الَّذي يَبْكي خَوفًا ورَجاءً للهِ عزَّ وجلَّ عندَ توبةٍ أو ذِكرٍ أو طاعةٍ، وهذه رحمةٌ عامَّةٌ لكلِّ مَن اتَّصَف بهذه الصِّفةِ مِن المسلمين، وإن كان الأَوْلى بها العلماءَ؛ لأنَّ اللهَ يَقولُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، "وعينٌ باتَت تَحرُسُ في سبيلِ اللهِ"، أي: الَّذي يُجاهِدُ في سبيلِ اللهِ، وبالأخَصِّ الَّذي بات على ثغورِ المسلِمين يَحرُسُها مِن الأعداءِ؛ طلَبًا للأجرِ والثَّوابِ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ، وهذه مَرتَبةُ المُجاهِدين في العبادةِ وهي تَشمَلُ الحجَّ وطلَبَ العلمِ والجهادَ في سبيلِ اللهِ بالحربِ، وغيرَ ذلك مِن العباداتِ والمجاهَداتِ للنَّفسِ
وفي الحَديثِ: الحضُّ على البُكاءِ خَشيةً مِن اللهِ وخوفًا منه
وفيه: الحضُّ على الجِهادِ وطلَبِ الغَزوِ والبياتِ على الثُّغورِ في سبيلِ اللهِ تعالى