مسند أبي هريرة رضي الله عنه 744
مسند احمد
حدثنا إسحاق بن يوسف، حدثنا عوف، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء، واطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء»
خلَقَ اللهُ سُبحانَه الجَنَّةَ لعِبادِه المُطيعينَ الصابِرينَ، وخلَقَ النارَ لِمَن أبَى وأعْرَضَ عنه، وقد بيَّن لنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صِفاتِ كَثيرٍ ممَّن يدخلهما
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اطَّلَعْتُ في الجنَّةِ"، أي: بإذنِ اللهِ وقُدرتِه، "فرأَيْتُ أكثَرَ أهْلِها المساكينَ" مِن الفُقراءِ الَّذين كانوا يَملِكون أقلَّ القليلِ مِن المالِ ومَتاعِ الدُّنيا، "واطَّلَعْتُ في النَّارِ، فرأَيْتُ أكثَرَ أهْلِها النِّساءَ، قالوا: لِمَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: بكُفْرِهنَّ"، أي: إنَّما كُنَّ أَكثرَ أَهلِ النَّارِ؛ لأنَّهنَّ يَكفُرنَ، "قيل: أيَكْفُرْنَ باللهِ؟ قال: ويَكْفُرْنَ العشيرَ ويَكْفُرْنَ الإحسانَ"، أي: يُنْكِرنَ نِعمَةَ الزَّوجِ وإحْسانَه إليهِنَّ، وإنَّما كان جَحْدُ النِّعمةِ حَرامًا؛ لأنَّ هذه النِّعمةَ الَّتي وصلَتْ إليها مِن زَوجِها هي في الحقيقةِ واصلةٌ مِن اللهِ؛ فإذا جحَدتِ المرأةُ نِعمةَ زَوجِها، فقد جَحَدتْ نِعمةَ اللهِ. وخَصَّ كُفرانَ العَشيرِ مِن بيْن أنواعِ الذُّنوبِ لِدَقيقةٍ بَديعةٍ؛ فقدْ قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "لو أمَرْتُ أحدًا أنْ يَسجُدَ لِأحدٍ، لَأمرْتُ المرأةَ أنْ تَسجُدَ لِزَوجِها"، أخرجه أحمد وابن أبي شيبة؛ فقرَنَ حَقَّ الزَّوجِ على الزَّوجةِ بحَقِّ اللهِ تعالى؛ فإذا كفَرتِ المرأةُ حَقَّ زَوجِها وقد بلَغَ مِن حَقِّه عليها هذه الغايةَ، كان ذلك دليلًا على تَهاوُنِها بحَقِّ اللهِ؛ فلذلك أَطلَقَ على فِعْلِها الكُفْرَ، لكنَّه كُفْرٌ لا يُخرِجُ عنِ الملَّةِ
فهذا حَديثُ بِشَارَةٍ ونِذارةٍ؛ فالبِشارَةُ للمُؤمنينَ مِن الفُقراءِ الَّذين صَبَروا على حالِهم، فبُشِّروا بالفَوْزِ العَظيمِ، والنِّذارةُ لِلنِّساءِ لِمَن كان مِنهنَّ على حافَةِ خَطرٍ لِتستَدْرِكَ مِن أمْرِها؛ حتَّى تَنالَ رِضَا اللهَ ورِضوانَه، فالفُقراءُ أكثرُ أَهْلِ الجَنَّةِ، وليسَ الفَقْرُ هو الَّذي أدخَلَهُمُ الجَنَّةَ، إنَّما أَدخلَهمُ اللهُ الجَنَّةَ بصَلاحِهم مَع الفَقرِ؛ فالفَقيرُ إذا لَمْ يَكُنْ صالحًا، فلا فَضْلَ في الفَقرِ
وفي الحديثِ: أنَّ الجَنَّةَ والنَّارَ مَخلوقتانِ ومَوجودتانِ
وفيه: مُعجزةٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإطْلاعِ اللهِ تعالى له على الجَنَّةِ والنَّارِ، وهُما مِن الغَيبِ، ورُؤيتِه لأهلِهما
وفيه: حثُّ النِّساءِ عَلى طاعةِ أزواجِهنَّ في الخيرِ والمعروفِ، وشُكرِ مَعروفِهم، وعدمِ كُفرانِه