حديث أبي موسى الأشعري 121
مستند احمد
حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، حدثني أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة، عن جده، عن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل أو ذو الحاجة قال: «اشفعوا تؤجروا، وليقض الله عز وجل على لسان رسوله ما شاء» . وقال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» . وقال: «الخازن الأمين الذي يؤدي ما أمر به طيبة به نفسه أحد المتصدقين»
الأُخوَّةُ الإيمانيَّةُ هِبةٌ رَبَّانيَّةٌ مَنَّ اللَّهُ تعالى بها على المُؤمِنينَ؛ فالمُؤمِنُ أخو المُؤمِنِ، فهُما كالجَسَدِ الواحِدِ، فعَلى المُؤمِنِ أن يَختارَ له أخًا صالحًا يَستَفيدُ مِنه، ويَحذَرُ مَن كان سَيِّئًا؛ فقد يَضُرُّه ويُؤذيه؛
ولهذا في هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: المُؤمِنُ للمُؤمِنِ كالبُنيانِ يَشُدُّ بَعضُه بَعضًا، أي: مَثَلُ المُؤمِنِ مَعَ أخيه المُؤمِنِ مَثَلُ البناءِ والجِدارِ المُتَرابطِ المُتَشابكِ يَشُدُّ بَعضُه بَعضًا، وهَكَذا المُؤمِنُ مَعَ أخيه المُؤمِنِ يُعاوِنُه ويُناصِرُه ويَقِفُ بجِوارِه، سَواءٌ كان ذلك في أُمورِ الآخِرةِ أو في أُمورِ الدُّنيا. ثُمَّ ذَكَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَثَلًا للجَليسِ الصَّالحِ والجَليسِ السُّوءِ فقال: ومَثَلُ الجَليسِ الصَّالحِ مَثَلُ العَطَّارِ، أي: الذي يَبيعُ العُطورَ، إن لَم يُحذِك، أي: يُعطِك، مِن عِطرِه عَلِقَك مِن ريحِه، أي تَعلَّقُ بثيابِك شَيءٌ مِن ريحِه وشَمِمتَ مِنه ريحًا طَيِّبةً، ومَثَلُ الجَليسِ السُّوءِ مَثَلُ الِكيرِ، وهو آلةُ الحَدَّادِ التي يَنفُخُ بها النَّارَ لتَصفيةِ الحَديدِ مِنَ الخَبَثِ، إن لَم يُحرِقْك، أي: إن لَم يُحرِقْ ثيابَك بسَبَبِ تَصاعُدِ الشَّرَرِ مِن نَفخِه في الكيرِ، نالَك مِن شَرَرِه، أي: يُصيبُك بَعضُ تلك الشَّرَرِ التي تَصعَدُ مِنَ الكيرِ. والمَعنى: أنَّ مُجالَسةَ الصُّلَحاءِ تَنفعُ في الدُّنيا والآخِرةِ؛ لأنَّك تَجِدُ مِنهمُ التَّربيةَ وتَعليمَ الخَيرِ، وتَصِلُ إليك بَرَكَتُهم، ومُجالَسةُ الفُسَّاقِ تَكونُ بعَكسِ هذا. ثُمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: والخازِنُ الأمينُ، أي: الذي يَشتَغِلُ عِندَ رَبِّ المالِ بالأُجرةِ إذا تَصَدَّقَ بشَيءٍ بإذنِ رَبِّ المالِ، الذي يُؤَدِّي ما أُمِرَ به -أي: يُعطي الفقيرَ ما أمَرَه به صاحِبُ المالِ- مُؤتَجِرًا، أي: مُحتَسِبًا طالبًا الأجرَ مِنَ اللهِ: أحَدُ المُتَصَدِّقينَ، أي: يَكونُ مُشارِكًا في الصَّدَقةِ، فيَنالُه الأجرُ والثَّوابُ، ولا يَلزَمُ التَّساوي في الأجرِ، بَل المُرادُ أنَّ الأجرَ يَكونُ مَقسومًا بَينَهما؛ لهذا نَصيبٌ بمالِه، ولهذا نَصيبٌ بعَمَلِه، فلا يُزاحِمُ صاحِبُ المالِ العامِلَ في نَصيبِ عَمَلِه، ولا يُزاحِمُ العامِلُ صاحِبَ المالِ في نَصيبِ مالِه
وفي الحَديثِ بَيانُ مَنزِلةِ الأُخوَّةِ في اللهِ
وفيه فضيلةُ مُجالَسةِ الصَّالحينَ وأهلِ الخَيرِ والمُروءةِ
وفيه خُطورةُ مُجالَسةِ أهلِ الشَّرِّ
وفيه فَضلُ الخازِن الأمينِ
وفيه أنَّ المُشارِكَ في الطَّاعةِ مُشارِكٌ في الأجرِ
وفيه مَشروعيَّةُ ضَربِ الأمثالِ الحِسِّيَّةِ لتَقريبِ الفَهمِ للسَّامِعينَ