حديث العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم 4
حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، أخبرني كثير بن عباس بن عبد المطلب، عن أبيه العباس، قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، قال: فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وما معه إلا أنا، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، فلزمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نفارقه وهو على بغلة شهباء، - وربما قال معمر: بيضاء - أهداها له فروة بن نعامة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين، وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، قال العباس: أنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها، وهو لا يألو ما أسرع نحو المشركين، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بغرز رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عباس، ناد يا أصحاب السمرة " قال: وكنت رجلا صيتا فقلت: بأعلى صوتي أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله، لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها. فقالوا: يا لبيك يا لبيك، يا لبيك، وأقبل المسلمون، فاقتتلوا هم والكفار، فنادت الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، ثم قصرت الداعون على بني الحارث بن الخزرج، فنادوا: يا بني الحارث بن الخزرج، قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا حين حمي الوطيس "، قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات، فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: " انهزموا ورب الكعبة، انهزموا ورب الكعبة "، قال: فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا، وأمرهم مدبرا حتى هزمهم الله، قال: وكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يركض خلفهم على بغلته
قَوْلُهُ وَمَا مَعَهُ إِلَّا أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ : أَرَادَ بِالْمَعِيَّةِ الْقُرْبَ مِنْهُ ، وَاللُّزُومَ مَعَهُ ; كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السَّوْقُ ، لَا الثُّبُوتُ فِي الْحَرْبِ وَعَدَمُ الْفِرَارِ ، وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، وَعَلِيٌّ ، وَغَيْرُهُمْ أَيْضًا ، ذَكَرَهُ فِي "الْمَوَاهِبِ " .
شَهْبَاءُ : الشَّهَبُ - بِفَتْحَتَيْنِ - : بَيَاضٌ يُخَالِطُهُ سَوَادٌ .
فَرْوَةُ بْنُ نَعَامَةَ : قَالَ النَّوَوِيُّ : الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ : نُفَاثَةَ - بِنُونٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ فَاءٍ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ - ، وَفِي رِوَايَةٍ : نَعَامَةَ - بِالْعَيْنِ وَالْمِيمِ .
وَلَّى : بِتَشْدِيدِ اللَّامِ - .
يَرْكُضُ : كَيَنْصُرُ ; أَيْ : يُسْرِعُ .
وَهُوَ لَا يَأْلُو : أَيْ : لَا يُقَصِّرُ وَلَا يَتْرُكُ .
مَا أَسْرَعَ : أَيِ : الْإِسْرَاعُ .
السَّمُرَةُ: بِفَتْحٍ فَضَمٍّ - : اسْمُ شَجَرَةٍ بَايَعُوا تَحْتَهَا .
عَطْفَتَهُمْ : ضُبِطَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - ; أَيِ : انْصِرَافُهُمْ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - ; أَيْ : كَيْفِيَّةُ رُجُوعِهِمْ وَانْصِرَافِهِمْ .
فَنَادَتِ الْأَنْصَارُ : أَيْ : بَعْضُهُمْ بَعْضًا .
وَفِي "التَّرْتِيبِ " : فَبَادَرَ الْأَنْصَارُ .
ثُمَّ قُصِرَتْ : عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ .
هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ : "حِينَ" - بِالْفَتْحِ - مَبْنِيٌّ ; لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْجُمْلَةِ ، وَ"حَمِيَ" - بِكَسْرِ الْمِيمِ - مِنْ حَمِيَتِ النَّارُ : إِذَا اشْتَدَّ حَرُّهَا ، وَ"الْوَطِيسُ" - بِفَتْحِ وَاوٍ وَكَسْرِ طَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَبِسِينٍ مُهْمَلَةٍ - : التَّنُّورُ ، أَرَادَ : الْحَرْبَ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ خَبَرَ "هَذَا" هُوَ "حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ " ، وَقِيلَ : مَحْذُوفٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : هَذَا الْقِتَالُ حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ .
وَفِي "الْمَوَاهِبِ " : الْوَطِيسُ : هُوَ التَّنُّورُ يُخْبَزُ فِيهِ ، يُضْرَبُ مَثَلًا لِشِدَّةِ الْحَرْبِ الَّذِي يُشْبِهُ حَرُّهَا حَرَّهُ ، وَهَذَا مِنْ فَصِيحِ الْكَلَامِ الَّذِي لَمْ يُسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
انْهَزَمُوا : عَلَى لَفْظِ الْخَبَرِ .
فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ : أَيْ : قُبَيْلَ الرَّمْيِ ، أَوْ عِنْدَ الرَّمْيِ مُتَّصِلًا بِهِ .
مَا هُوَ : أَيِ : انْهِزَامُهُمْ .
إِلَّا أَنْ : أَيْ : بِأَنْ رَمَاهُمْ ; أَيْ : بِسَبَبِهِ .
حَدَّهُمْ : - بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - ; أَيْ : مَا زِلْتُ أَرَى قُوَّتَهُمْ ضَعِيفَةً .