حديث المسور بن مخرمة الزهري، ومروان بن الحكم 3
مستند احمد
حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي قال: سمعت النعمان يحدث، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن المسور بن مخرمة، أن عليا خطب ابنة أبي جهل، فوعد بالنكاح. فأتت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك، وأن عليا قد خطب ابنة أبي جهل، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه وقال: «إنما فاطمة بضعة مني، وأنا أكره أن تفتنوها» . وذكر أبا العاص بن الربيع، فأكثر عليه الثناء، وقال: لا يجمع بين ابنة نبي الله، وبنت عدو الله "، فرفض على ذلك
كان أبو جَهلٍ عَمرُو بنُ هِشامٍ عدُوًّا للهِ وعدُوًّا لرَسولِهِ صلَّى اللهُ عليه سلَّمَ، وكان مِن أشَدِّ النَّاسِ إيذاءً للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مكَّةَ
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمةَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه خَطَب بِنتَ أبي جَهلٍ، وأرادَ أنْ يَنكِحَها على زَوجتِه فاطمةَ بنتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فجاءتْ فاطمةُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالت: «يَزعُمُ قومُكَ» -وفي رِوايةِ مُسلِمٍ: «إنَّ قَومَكَ يَتحَدَّثونَ» وكأنَّهم تَكلَّموا فيما بيْنَهم عن خِطْبةِ عَلِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه لبنتِ أبي جَهلٍ- «أنَّكَ لا تَغضَبُ لبَناتِكَ»، أي: إذا حدَثَ لهنَّ إيذاءٌ، وهذا عَلِيٌّ يُريدُ أنْ يَتزوَّجَ بنتَ أبي جَهلٍ، فغَضِب رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ قام يَخطُبُ في النَّاسِ ليَنتَشِرَ الحُكمُ بيْنَهم، فتَشهَّدَ ثمَّ قال: «أمَّا بعْدُ؛ أنكَحْتُ أبا العاصِ بنَ الرَّبيعِ»، أي: ابنَتَه زَينبَ، وكان ذلك قبْلَ الإسْلامِ، «فحَدَّثَني وصَدَقَني»، فأثْنَى عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لصِدْقِه
وفي رِوايةِ مُسلِمٍ: «إنَّ بَني هِشامِ بنِ المُغيرةِ اسْتَأذَنوني أنْ يُنكِحوا ابنَتَهم عَلِيَّ بنَ أبي طالبٍ، فلا آذَنُ لهم، ثمَّ لا آذَنُ لهم، ثمَّ لا آذَنُ لهم، إلَّا أنْ يُحِبَّ ابنُ أبي طالبٍ أنْ يُطلِّقَ ابْنَتي، ويَنكِحَ ابنَتَهم»، فاشتَرَطَ طَلاقَ فاطمةَ إنْ رغِبَ عَليٌّ في الزَّواجِ منِ ابنةِ أبي جَهلٍ، ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وإنَّ فاطِمةَ بَضْعةٌ مِنَّي»، أي قِطْعةٌ، «وإنِّي أكرَهُ أنْ يَسوءَها»، أي: يَنالَها أيُّ أذًى مِن عَليٍّ بزَواجِه مِن ابنةِ أبي جَهلٍ؛ فقدْ يَحصُلُ لها الغَيْرةُ فيُؤْذيها ذلك، وفي الصَّحيحَينِ: «وإنِّي لستُ أُحرِّمُ حَلالًا، ولا أُحِلُّ حَرامًا» إشارةً إلى جَوازِ نِكاحِ بنتِ أبي جَهلٍ، لكنَّهُ منَعَ مِن الجَمعِ بيْنَها وبيْنَ بنتِ رَسولِ اللهِ؛ لأنَّ ذلك يُؤْذيها، وفي أذاها أذًى لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولا يَحِلُّ فِعلُ شَيءٍ يَتأذَّى به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولو كان مُباحًا فِعلُه، ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا تَجتَمِعُ بِنتُ رَسولِ اللهِ وبِنتُ عدُوِّ اللهِ عندَ رَجلٍ واحدٍ»؛ لِمَا يُحدِثُ مِنَ الأذى والضَّررِ، «فترَكَ عَليٌّ الخِطْبةَ»، فلمْ يُقدِمْ على إتْمامِ خِطْبةِ ابنةِ أبي جَهلٍ بعْدَما سَمِعَ ذلك
وفي رِوايةٍ لم يُصرِّحِ الرَّاوي باسمِ أبي العاصِ، فقال: «وذكَرَ صِهْرًا له مِن بَني عَبدِ شَمسٍ»، وهو أبو العاصِ بنُ الرَّبيعِ، والصِّهْرُ: يُطلَقُ على الزَّوجِ، وأقارِبِه، وأقاربِ المَرأةِ، «فأَثْنى عليه في مُصاهَرتِه إيَّاهُ، فأحسَنَ» الثَّناءَ عليه؛ وذلك لأنَّهُ حدَّثَه فصدَق في حَديثِه، وكَلامِه، وشُروطِه في زَواجِه بزَينبَ، ووَعَدَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنْ يُرسِلَ زَينبَ، وذلك عندَما أُسِرَ في غَزْوةِ بَدرٍ، فأنفَذَ وَعدَه، وأرسَلَ زَينبَ مِن مكَّةَ إلى المَدينةِ، وقدْ أُسِرَ أبو العاصِ مرَّةً أُخْرى في غَزْوةِ أُحدٍ وأجارَتْه زَينبُ، فأسلَمَ ورَدَّها إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى نِكاحِه، وولَدَت له أُمامةَ الَّتي كان يَحمِلُها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يُصلِّي
وفي الحَديثِ: أنَّ أذَى أهلِ بَيتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أذًى له
وفيه: فَضلُ عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه، واستِجابتُه لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفيه: مَشْروعيَّةُ غَيْرةِ الرَّجلِ، وجَوازُ غَضَبِه لقَرابَتِه وحُرْمتِه، وذَبِّه عمَّا يُؤْذيهم بما يَقدِرُ عليه
وفيه: أنَّ الشَّيءَ وإنْ لم يكُنْ مُحرَّمًا في نفْسِه، ولكنْ يُخْشى أنْ يَكونَ ذَريعةً إلى ما لا يَجوزُ، فيَنبَغي اجْتِنابُه، وتَرْكُ الوُقوعِ فيه، ومَنْعُه