حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم 30

مستند احمد

حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم 30

 حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا الزهري، عن محمد بن النعمان بن بشير، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، أخبراه أنهما سمعا النعمان بن بشير، يقول: نحلني أبي غلاما [ص:332]، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأشهده، فقال: «أكل ولدك قد نحلت؟» قال: لا، قال: «فاردده»

الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ شَريعةُ العدْلِ والرَّحمةِ، ومِن صُوَرِ العدلِ: المساواةُ بَينَ الأولادِ في العَطاءِ والهدايا؛ فإنَّ تَفضيلَ بعضِ الأولادِ على بعضٍ لا يَأتي إلَّا بالأحقادِ، وإيغارِ الصُّدورِ، فيَنتُجُ عن ذلك عقوقُ الأولادِ للآباءِ، فلا يَبَرُّونَهم


وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النُّعمانُ بنُ بشيرٍ رَضِي اللهُ عَنهما: "أنَّ أباه أتَى به"، أي: جاء بَشِيرُ بنُ سعدٍ بابنِه النُّعْمانِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "يَشهَدُ على نُحْلٍ نَحَله إيَّاه"، أي: لكي يَشهَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على ما أعطاه لابنِه مِن عَطيَّةٍ وهَديَّةٍ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أكُلَّ ولَدِك نحَلْتَ مِثلَ ما نَحَلْتَه؟"، أي: سألَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: هل أعطَيتَ كلَّ أولادِكَ مِثلَ ما أعطيتَ ولَدَك النُّعمانَ؟ والمقصودُ: هل سَوَّيتَ بينَهم في الهديَّةِ والعطاءِ؟ "قال"، أي: بَشيرُ بنُ سعدٍ: "لا"، أي: لم أُسَوِّ بينَهم في العطاءِ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فلا أَشهَدُ على شيءٍ"، أي: فلا أشهَدُ على مثلِ هذا؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رأى أنَّ هذا مِن الظُّلمِ والجَوْرِ، أنَّه لم يُسَوِّ بينَ أولادِه وفضَّل بعضَهم على بعضٍ، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لا يَشهَدُ على ما فيه ظُلمٌ
ثمَّ قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مُوجِّهًا ومُعلِّمًا: "ألَيسَ يَسُرُّك أن يَكونوا إليك في البِرِّ سَواءً"؟ أي: ألَا تُحِبُّ وتُسَرُّ بأنْ يَكونَ كلُّ أولادِك في البِرِّ والإحسانِ إليك مُتساوِينَ غيرَ عاقِّين لك؟ فقال بَشيرٌ: "بَلى"، أي: أُحِبُّ أن يَكونوا لي مُتَساوِين في البِرِّ بي والإحسانِ إليَّ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فلا إذنْ"، أي: إذا كُنتَ تُحِبُّ ذلك فلا تَفعَلْ إذنْ هذا الأمْرَ، وهو تفضيلُ بعضِ أولادِك على بَعضٍ، وسَوِّ بينَهم في عَطائِك إيَّاهم
وفي الحديثِ: أنَّ الشَّهادةَ لا تَكونُ إلَّا في الحقِّ، وفيما يُرضي اللهَ سُبحانَه وتعالَى
وفيه: حُسنُ تعليمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، حيثُ بَيَّنَ الحُكْمَ، وعِلَّتَه، وأَوضَحَ للمخاطَبِ مَضَرَّةَ فِعْلِه
وفيه: الحثُّ على العَدلِ بينَ الأولادِ والتسويةِ بينهم في العَطاءِ